في الكثير من البلاد، بما في ذلك ألمانيا، يمكن أن تتوفر للطبيب فرص للعمل في مجالات معينة من خلال شهادته الطبية فقط، وبدون الحاجة للحصول على تخصص معين.
وبذلك فإن ألمانيا تتيح العمل في مجالات معينة لا يحتاج الطبيب فيها للحصول على شهادة الفاخ أرتز. وكل ما يحتاج إليه هو شهادة الأبروباتسيون أو الترخيص الدائم، بل وأحياناً يمكن العمل على الترخيص المؤقت أيضاً. وسوف نستعرض اليوم بعضاً من هذه المجالات.
يعتبر مجال التبرع بالدم ومنتجات الدم من المجالات الكبيرة في ألمانيا. بسبب العمليات الكبيرة التي تجرى على نطاق واسع بالإضافة إلى الأعمار المتقدمة للسكان، فإن هناك طلباً كبيراً على جميع مشتقات الدم وخصوصاً مستحضرات الكريات الحمراء والبلازما.
يتم تنظيم إجراءات التبرع بالدم وما يتعلق بها في ألمانيا من قبل نوعين من الهيئات: الهيئات الحكومية مثل منظمة الصليب الأحمر من خلال مراكزها المتوزعة في كل ألمانيا، والشركات الخاصة التي تمتلك أيضاً مراكز خاصة بها.
مهمة هذه المراكز المختلفة هي جذب المتبرعين إليها وتنظيم عملية التبرع بشكل كامل. وعملية التبرع هذه هي ليست بالأمر السهل بل تشمل الكثير من المهام، والتي يشرف عليها الطبيب.
حين يرغب أي شخص بالتبرع بالدم فيتوجب على الطبيب أولاً أن يسأله عن الأمراض التي لديه وأن يقوم بإجراء فحص كامل للتأكد من أنه ملائم للتبرع بالدم.
بعد ذلك يشرف الطبيب على عملية التبرع، ويقوم بمعالجة أي مشاكل أو مضاعفات يمكن أن تحدث أثناء ذلك. وهذه الوظيفة لا تحتاج عادة إلى تخصص معين، حيث يمكن أن يقوم بها أي طبيب عام.
ومن الجدير بالذكر أن العمل في هذه الوظيفة مختلف عن تخصص نقل الدم (Transfusionsmedizin).فهذا الأخير هو مجال تخصصي متقدم يحتاج إلى إنهاء فترات تدريب معينة في المختبرات والمستشفيات (أي تدريب سريري ومخبري) ويحصل الطبيب بعدها على شهادة الفاخ أرتز في طب نقل الدم.
وحين يحصل الطبيب على الشهادة التخصصية في طب نقل الدم فهو يمكن أن يعمل في نطاق المستشفيات أو أن يعمل كمشرف في المراكز القيادية في شركات التبرع بالدم. وقد تحدثنا عن هذا التخصص في مقالة مفصلة حول التخصصات غير الحادة في ألمانيا.
كيف تعثر على عمل في هذا المجال؟ تتواجد مراكز التبرع بالدم في جميع المدن، بل إن المدن المتوسطة والكبيرة تحتوي على أكثر من مركز بل والكثير من المراكز أحياناً.
يدعى التبرع بالدم بالألمانية Blutspendeوأحياناً يسمون الطبيب Spendearztأي الطبيب المسؤول عن التبرع بالدم. ولذلك يمكن للطبيب الذي يرغب بالعمل في هذا المجال أن يقوم بإجراء بحث بسيط على الإنترنت للعثور على المراكز الموجودة في مدينته.
وعادة ما يكون هناك لكل مركز موقع إلكتروني ويمكن العثور فيه على الوظائف الشاغرة. أو يمكن للطبيب أن يتواصل مع المراكز ويسأل إن كانت هناك فرصة للعمل.
ويعتبر العمل في مثل هذه المراكز سهلاً نسبياً، حيث يشكل فرصة للطبيب الجديد لتحسين لغته والتعرف أكثر على المجتمع الألماني قبل أن يدخل في العمل السريري المرهق. وبطبيعة الحال لا توجد مناوبات ليلية.
تتوفر في ألمانيا الكثير من الهيئات أو الشركات التي تنظم عملية التبرع بالدم من أهمها:
بالإضافة إلى ذلك توجد في بعض المدن مراكز محلية لهذه الغاية، كما أن الكثير من المستشفيات الجامعية تحتوي أيضاً على مراكز تابعة لها للحصول على الدم ومشتقاته.
في هذا الفيديو القصير من منظمة الصليب الأحمر الألمانية يمكنك أن تشاهد عن كثب كيف سيقوم السيد شولتز بالتبرع بالبلازما وما هو دور الطبيب في هذه العملية.
يتم تنظيم الخدمات الصحية في ألمانيا بواسطة شركات التأمين الصحي التي تقوم بدفع تكاليف الخدمات الصحية لمزودي الرعاية الصحية من الأطباء والمستشفيات والعيادات ومراكز إعادة التأهيل وغيرها. تحدثنا عن نظام التأمين الصحي في ألمانيا بشكل مفصل في مقالة أخرى في هذا الموقع.
معظم الموظفين الذين يسيرون شركات التأمين الصحي هم من الموظفين العاديين. ولكن بطبيعة الحال تحتاج كل شركة تأمين إلى توظيف بعض الأطباء لديها للحكم في الحالات الطبية المختلفة والمساعدة في توجيه القرارات الطبية ضمن الشركة.
لذلك فإن العمل في شركات التأمين الصحي يعتبر أحد الخيارات البديلة للأطباء خارج مجال العمل الطبي التقليدي والاحتكاك المباشر بالمرضى.
يدعى العمل في هذا المجال بالألمانية Der medizinische Dienst der Krankenkassenأو اختصاراً MDK،ويعني ذلك المستشار الطبي في صندوق التأمين الصحي.
وعادة ما تطلب مثل هذه الشركات وجود عدة سنوات على الأقل من الخبرة السريرية بحيث يستطيع الطبيب التعامل بشكل منطقي مع الحالات والقرارات المختلفة. وليس من الضروري أن يكون الطبيب اختصاصياً أو لديه الفاخ أرتز.
أكثر المهام التي يقوم بها الأطباء هي الحكم على الإجراءات الطبية المختلفة وتحديد مجال تغطية التكاليف من قبل التأمين الصحي حسب الحالة الطبية للمريض وضرورة الإجراءات التشخيصية والعلاجية المقررة. ويصبح الطبيب في هذه الحالة بمثابة الخبير أو الحكم (Gutachter)الذي يقوم بالحكم في الحالات الطبية المختلفة.
ويمكن للطبيب حسب خبرته السريرية السابقة وخلفيته العلمية والإدارية أن يرتقي في المناصب الإدارية ضمن هذه الشركات إذا قرر العمل فيها على المدى الطويل. ويعد هذا المجال أيضاً مفتوحاً أمام التخصصات الطبية الأخرى مثل الصيدلة وطب الأسنان والتمريض.
في هذا الفيديو القصير يمكنك أن تفهم بالرسوم المتحركة كيفية التقدم لمثل هذا العمل وطبيعة العمل الذي يقوم به الطبيب.
لنقل إن إحدى الشركات الدوائية قامت بتطوير دواء أو مستحضر جديد وتريد تجربة هذا الدواء على أشخاص سليمين أو أشخاص لديهم حالات مرضية خفيفة، أي خارج نطاق المستشفى، على سبيل المثال المستحضرات العشبية أو التجميلية أو الفيتامينات أو غير ذلك.
في هذه الحالة تحتاج الشركة لتجربة هذه المستحضرات أو الأدوية في إطار أبحاث سريرية خارج مجال الشركة، ويجب أن يتم ذلك بإشراف طبي.
ولذلك فإن إحدى فرص العمل التي قد تتوفر للأطباء في ألمانيا هي العمل كطبيب عام في مجال الأبحاث، ويدعى الطبيب في هذه الحالة بطبيب الأبحاث (Studienarzt)ويدعى أيضاً Prüfarzt.
تتمثل مهمة الطبيب في هذه الحالة بتوضيح تفاصيل البحث للمتطوعين بشكل مفصل، مثلاً شرح طبيعة التجربة وطبيعة الدواء الذي سيحصلون عليه والمشاكل التي يمكن أن تحدث.
كما يكون مسؤولاً عن التعامل مع أي مشاكل يمكن أن تحدث، مثلاً التحسس الدوائي أو التأثيرات الجانبية المحتملة. وبطبيعة الحال يكون على الطبيب أيضاً توثيق البيانات وربما تحليلها إحصائياً حسب الدور المتفق عليه بين الطرفين.
تقوم مثل هذه الشركات بوضع إعلانات تعرب فيها عن حاجتها لطبيب أبحاث، وحين يرغب الطبيب بالعمل في هذا المجال يمكنه التعاقد مع الشركة حسب الشروط المتفق عليها. وحتى تبحث عن مثل هذه الوظائف فعليك البحث على الإنترنت بواسطة كلمة Studienarzt أو Prüfarzt.
من ناحية أخرى فإن بعض المستشفيات الجامعية قد توظف أيضاً أطباءً لهذه الغاية بدون أن يكون لديهم مؤهلات أخرى أو شهادة الفاخ أرتز.
وفي هذه الحالة يكون الطبيب مسؤولاً عن إدارة الأبحاث العلمية التي تجرى في القسم، ويوفر الكثير من الوقت على الأطباء الموظفين في القسم والذين يتعاملون بشكل مباشر مع المرضى.
وهنا يطلب من الطبيب عادة إجراء كورسات خاصة للحصول على المعارف الأساسية حول إجراء الأبحاث السريرية. كما يتم قبل استلام العمل تدريبه على المهام التي يتوجب عليه القيام بها.
وفي المراكز الكبيرة قد يُطلب طبيب لديه معرفة سابقة وعميقة في مجال الأبحاث الطبية بحيث يكون مسؤولاً عن تنظيم وإجراء الأبحاث بشكل كامل في هذا المركز.
وحسب طبيعة العمل والاتفاق بين الطرفين ومؤهلات الطبيب يمكن للطبيب أن يكتسب خبرة بحثية كبيرة وكذلك يحصل على مؤهلات إضافية.
ننوه إلى أن الطبيب الذي يمارس الطب الاعتيادي في قسم معين في مستشفى يمكنه أيضاً أن يشارك بشكل طبيعي في إجراء الأبحاث التي تتم في هذا القسم، ولكن إلى جانب عمله الطبي الأساسي مما يجعله معرضاً لضغط كبير في العادة.
أما بالنسبة للعمل كطبيب أبحاث فهو أمر مختلف، حيث لا يكون للطبيب علاقة بالأمور السريرية وإنما يكون متفرغاً فقط ﻹدارة الأبحاث الطبية.
كل مستشفى أو مركز طبي كبير في ألمانيا يكون فيه مدير طبي (عادة طبيب) يدير الشؤون الطبية والعلمية، ومدير إداري (غير طبيب) يتولى المهام الإدارية في المركز. بالإضافة إلى ذلك فإن هناك مناصب إدارية في المستشفيات يمكن أيضاً أن تشغل من قبل الأطباء، مثل إدارة الجودة (Qualitätsmanagement).
يحتاج العمل في مجال الإدارة بطبيعة الحال إلى دراسة خاصة، عادة ماجستير في إدارة الأعمال أو إدارة النظم الصحية (Master in Business Administration).
تتم الدراسة بشكل أكاديمي في جامعة أو معهد عالي، ويمكن أن تجرى عن بعد (أونلاين) سواءً في الجامعات الألمانية أو الجامعات خارج ألمانيا. وتمتد الدراسة لسنتين حتى ثلاث سنوات حسب البرنامج بحيث يحصل الطبيب في نهايتها على شهادة الماجستير أو الماستر.
والكثير من الأطباء الألمان يقومون بدراسة هذا المجال أثناء فترة التخصص إلى جانب العمل السريري، بحيث يحصلون في النهاية على هذا المؤهل.
وإذا توفرت لدى الطبيب الرغبة والمعرفة الكافية والموهبة الإدارية فيمكن له أن يدخل في المجال الإداري ويصل إلى مناصب متقدمة. ولكن إجمالاً تفضل المستشفيات دائماً منح المناصب الإدارية للألمان بحكم إتقانهم اللغة ومعرفتهم بالنظام الصحي ومشاكله.
ولذلك، إذا أراد الطبيب الأجنبي الوصول إلى مثل هذه المناصب فربما يتوجب عليه العمل في مجال الطب السريري لفترة ليست بالقليلة ﻹتقان اللغة وتعميق معرفته وخبرته بالنظام الصحي، ثم يتدرج في النظام الإداري.
ومثل هذه الفرص ليست كثيرة في ألمانيا، ولكن الأطباء الذين لديهم الرغبة والطموح يمكنهم أن يحصلوا مثل هذه الفرص. كما أن مثل هذه المؤهلات الإدارية تفيد الطبيب الممارس الذي يرغب بالوصول إلى المناصب القيادية، كما تحدثنا بالتفصيل في مقالة الدرجات الوظيفية للأطباء في ألمانيا.
في هذه المقالة تحدثنا عن بعض المجالات غير التقليدية لعمل الطبيب في ألمانيا مثل العمل في مجال التبرع بالدم أو إجراء الأبحاث أو العمل في شركات التأمين أو الوظائف الإدارية.
الكثير من هذه الوظائف تبتعد عن العمل الطبي التقليدي وقد تؤمن نمط حياة أفضل من حيث انتظام أوقات العمل وعدم وجود المناوبات الليلية، مما يجعلها خياراً جذاباً للكثير من الأطباء.
إذا كانت لديكم المزيد من التساؤلات حول هذا الموضوع فيمكنكم طرحها على صفحات التواصل الاجتماعي. إذا كان لديكم أي تصحيح أو تحديث للمعلومات المذكورة في هذه المقالة فنرجو التواصل معنا مباشرة.