هل تفكر بالسفر إلى ألمانيا للتخصص والعمل وتريد أن تعرف ما هي المزايا التي يمكن أن يتمتع بها الطبيب حين يعمل ويعيش في هذا البلد؟
في هذا الموضوع سنستعرض المزايا المختلفة التي يحصل عليها الطبيب في حال إجراء التخصص الطبي في ألمانيا، بالإضافة إلى مزايا الحياة في هذا البلد على المدى القصير والطويل.
تمت مناقشة النقاط المطروحة من وجهة نظر إيجابية وتفاؤلية قد لا تطابق الواقع دائماً. لذلك لا يمكن النظر إلى محتويات هذه المقالة بدون الحصول على الصورة الكاملة ومعرفة سلبيات التخصص والعمل الطبي في ألمانيا، والتي ناقشناها بإسهاب في مقالة منفصلة.
فقط بعد معرفة الإيجابيات والسلبيات بشكل مفصل وكامل يمكن للطبيب أن يتخذ قراره فيما إذا كانت ألمانيا هي الخيار المناسب له، حيث تحدثنا عن ذلك في مقالة مفصلة حول اتخاذ القرار بالسفر إلى ألمانيا.
العمل والتخصص في نظام صحي متطور
المزايا المتعلقة بالتخصص وشهادة الفاخ أرتز
إمكانية التطوير الشخصي والأكاديمي
الاستقرار المادي
إمكانية الحياة برفاهية
الإقامة والجنسية والتأمينات
الخلاصة في قائمة من 20 نقطة
تكون الفترة الأولى التي يقضيها الطبيب في ألمانيا مليئة بالصعوبات والعقبات، خصوصاً ما قبل التخصص وخلال السنوات الأولى من التخصص. أما الإيجابيات والمزايا فهي لا تأتي إلا على المدى الطويل، في نهاية فترة التخصص وما بعد ذلك.
هذا يعني أن الخاصة المميزة للعمل الطبي في ألمانيا بشكل عام هي أن الطبيب لا يقطف ثمار الجهود التي بذلها والمبالغ التي صرفها إلا لاحقاً. إنه استثمار شخصي ومادي على المدى الطويل. ينطبق ذلك على معظم ما سنتحدث عنه في هذه المقالة.
يعتبر النظام الصحي في ألمانيا من أفضل الأنظمة الصحية في العالم. سنستعرض هنا بعض الأرقام المثيرة للاهتمام.
حسب دراسة بريطانية نشرت في عام 2021 وشملت دراسة 71 معياراً مختلفاً للرعاية الصحية في 11 دولة مرتفعة الدخل، فإن النظام الصحي في ألمانيا يحتل المركز الخامس عالمياً بعد النرويج وهولندا وأستراليا وبريطانيا.
الحديث هنا بطبيعة الحال هو عن نظام الخدمات الصحية وتوفر الإمكانيات الطبية المتقدمة لجميع المواطنين من خلال نظام تأمين صحي قوي، وليس عن نظام تدريب الأطباء.
وحسب إحصائيات عام 2021 فهناك في ألمانيا حوالي 1890 مستشفى منها 36 مستشفى جامعي تتوفر فيها أحدث الأجهزة والتقنيات والإمكانيات التشخيصية والعلاجية للأمراض بجميع أنواعها وتخصصاتها.
وفي التصنيف العالمي للمستشفيات لعام 2023 حسب موقع Newsweek تحتل مستشفى الشاريتيه في برلين المرتبة السابعة على مستوى العالم، يسبقها في ذلك مايو كلينيك وكليفلاند كلينيك ومركز جون هوبكنز في الولايات المتحدة. كما أن هناك 12 مستشفى ألماني في قائمة أفضل 100 مستشفى في العالم.
وحسب مؤسسة زرع الأعضاء الألمانية فقد تم في عام 2022 لوحده زرع أكثر من 3300 عضواً مختلفاً في ألمانيا، وتم الحصول على الأعضاء من متبرعين أحياء في حوالي سُدس الحالات.
يعتبر الأطباء الألمان مشهورين على امتداد العالم بمهارتهم الكبيرة وخبرتهم العالية. ومن خلال مشاهداتي الشخصية في المستشفيات فإن معظم الأطباء الألمان يعملون بإتقان ليس له نظير.
ولألمانيا باع طويل في تطوير الطب عبر التاريخ، فالكثير من التسميات الطبية المستعملة اليوم جاءت من أسماء أطباء ألمان مثل روبرت كوخ، ألويس ألزهايمر، فريدريش فون ريكلينغهاوزن، هيرمان فاننشتيل، فريدريش فاغنر، وغيرهم الكثيرون.
وتجرى سنوياً مئات الأبحاث العلمية في ألمانيا في شتى التخصصات الطبية، حيث يحمل 24 باحثاً ألمانياً جوائز نوبل في الطب أو الفيزيولوجيا. وتصدر في ألمانيا 36 مجلة طبية محكمة ينشر فيها سنوياً قرابة 700 بحث، عدا ما ينشر في المجلات العالمية.
فإذاً بطبيعة الحال الميزة الأولى للتخصص في ألمانيا هي أن تسنح للطبيب الفرصة للمشاهدة والتعلم في هذه البيئة التي تُمارس فيها مهنة الطب على مستوى مرتفع، وبالتالي الحصول على معرفة وخبرة طبية عالية المستوى على المدى الطويل.
طبعاً. إن تعلم أي تخصص طبي يحتاج إلى قدر كبير من المشاهدة والاحتكاك واكتساب الخبرة. هذا الأمر يتحقق بشكل جيد جداً في ألمانيا من خلال وجود أطباء على درجة عالية من الخبرة بحيث يمكن اكتساب الخبرة منهم من خلال مشاهدة ما يفعلونه وكيف يتعاملون مع الحالات المختلفة.
من ناحية أخرى يحتاج التعلم في أي تخصص إلى اكتساب الكثير من المعلومات النظرية. يحصل الطبيب على جزء من هذه المعلومات في حياته اليومية، ولكن عليه أيضاً بذل مجهود شخصي إضافي من خلال الدراسة الأكاديمية من المراجع المعتمدة.
ينطبق ذلك بشكل خاص في التخصصات التي ليست فيها تداخلات، حيث يكتسب الطبيب خبرة كبيرة من خلال عمله اليومي ومشاهدته للحالات المختلفة وتعلمه من الأطباء الأكبر منه.
على الرغم من ذلك فإن الكثير من الأطباء يشتكون من غياب برنامج التدريب الحقيقي وكثرة الأعمال الإدارية التي يتوجب على الطبيب القيام بها. شرحنا ذلك بالتفصيل مع الكثير من الإحصائيات المثيرة للاهتمام في مقالة سلبيات التخصص في ألمانيا.
أما في التخصصات التي فيها تداخلات تشخيصية أو جراحية فيتأخر التعلم عادة بعض الشيء. تكون إمكانية المشاركة في التداخلات محدودة نوعاً ما خلال السنوات الثلاثة الأولى من التخصص، مع وجود بعض التفاوتات حسب الأقسام.
في هذه الفترة يتوجب على الطبيب القيام أكثر بالمهام الروتينية، فمن سيقوم بها إذاً؟ ولكنه خلال هذه الفترة يتعلم ويكتسب الخبرة تدريجياً وتتحسن قدراته الطبية بشكل كبير بدون أن يشعر.
في السنوات الثلاثة الأخيرة من التخصص تزداد فرصة الطبيب في تعلم التداخلات المختلفة، ويقوم بإجراء التداخلات الأساسية المطلوبة في تخصصه حتى إنهاء التخصص، أيضاً مع وجود بعض التفاوتات بين الأقسام.
يأتي إتقان المهارات وتعلم التداخلات المتقدمة بعد إنهاء التخصص وحين يتاح للطبيب العمل كاستشاري. وعندها ستتاح له فرصة رائعة لممارسة الأساسيات التي تعلمها وتطوير نفسه تدريجياً.
وعلى المدى الطويل تتوفر لدى الطبيب إمكانية الوصول إلى مستوى مرتفع في الممارسة الطبية حسب طموحه وجهده، كما يمكن له إجراء أكثر التداخلات والعمليات الجراحية تقدماً، بل والمساهمة في تطويرها.
شاهدت شخصياً مستويات جراحية مذهلة في ألمانيا وأطباء لديهم تقنيات جراحية رائعة وأناقة كبيرة في إجراء العمليات الجراحية بشكل متقن مع نتائج ممتازة، سواءً من العرب أو الأجانب أو الألمان.
الموضوع يحتاج إلى الحصول على الفرصة المناسبة مع بعض المجهود الشخصي، بالإضافة إلى الكثير من الصبر!
رأيتُ في ألمانيا أطباء شباب ألمان وأجانب تم تسليمهم عمليات جراحية بعد ستة أشهر من البدء بأول عمل لهم بعد التخرج من كلية الطب. ورأيت أطباء سُمح لهم بإجراء عمليات كبيرة في مجالهم في السنة الرابعة من التخصص.
فإذاً هذه المقولة ليست دقيقة. قد لا يرتقي التعليم الجراحي إلى طموح الطبيب في المراكز الكبيرة، حيث يكون ضغط العمل كبيراً. في هذه الحالة قد لا يدخل الطبيب إلى العمليات إلا مرة في الأسبوع، وتجرى معظم العمليات من قبل الاستشاريين لأنها تكون عمليات كبرى.
كذلك في الكثير من أقسام الطب الباطني لا تتاح للطبيب الفرصة للخروج من الشتاتسيون والمشاركة في الإجراءات التنظيرية والتشخيصية.
ولكن في الكثير من الأقسام والمستشفيات هناك رؤساء أقسام مهتمون بتعليم المقيمين لديهم ويحرصون على منحهم وقتاً من برنامج العمليات، حسب ما يسمح به ضغط العمل في المرافق الأخرى في القسم وعدد الأطباء المقيمين الموجودين في القسم.
هناك تفاوت في درجة التعليم الجراحي من مكان لآخر خلال فترة الاختصاص. أما بعد العمل كاختصاصي ثم استشاري لعدة سنوات فإن الجميع سوف يتعلم، كلٌ حسب جهده. من لا يتعلم يمكنه ببساطة أن ينتقل إلى مستشفى آخر تتاح فيه إمكانية التعلم.
في نهاية هذه الفقرة نحن لا نقول بأن النظام الصحي الألماني مثالي، فهناك الكثير من الثغرات التي يمكن تحسينها. كما أن مستوى الأطباء والجراحين الذين يعملون في ألمانيا متفاوت. ولكن هناك بالتأكيد مستويات رفيعة يمكن للطبيب الأجنبي الاستفادة والتعلم منها.
في الكثير من البلاد العربية والغربية يتم توزيع مقاعد التخصص بناءً على مسابقة أو مفاضلة. يتقدم الأطباء الراغبون بالتخصص إلى هذه المسابقة، وبعد ذلك يتم توزيع المقاعد عليهم حسب الأفضلية.
يؤدي ذلك إلى فرز التخصصات العليا إلى الأطباء الأوفر حظاً بالنسبة للدرجات أو المؤهلات التي تحدد كمعايير للاختيار في هذه المسابقة. ومن تكون درجاته منخفضة لا تكون لديه فرصة في الحصول على التخصص الذي يرغب به.
الوضع في ألمانيا مختلف تماماً، فلا توجد آلية مركزية لتوزيع التخصصات. الحصول على التخصص هو ببساطة اتفاق بينك وبين أحد الأقسام في أحد المستشفيات.
حين يوافق القسم على توظيفك كطبيب مقيم أو مساعد فأنت عملياً حصلت على التخصص من خلال عملك في هذا المجال. وحين لا يوافق فيمكنك ببساطة البحث عن قسم آخر.
النقطة الأخرى هي أنه لا توجد في ألمانيا تخصصات محصورة مثلاً بالألمان أو الأوروبيين أو خريجي كليات الطب في ألمانيا. جميع الوظائف متاحة للجميع، والحصول على الوظيفة متعلق بمزايا الشخص المتقدم لها وبقرار رئيس القسم.
هذا يعني أن من الممكن للطبيب نظرياً الحصول على أي تخصص يرغب به في ألمانيا. بطبيعة الحال فإن الحصول على تخصصات معينة قد يكون أكثر صعوبة من تخصصات أخرى، وذلك حسب درجة التنافس على كل تخصص.
ناقشنا جميع الأمور المتعلقة بهذا الموضوع بالتفصيل في مقالة الدخول في نظام التخصص الطبي في ألمانيا حيث يمكنك قراءة المزيد عن طريقة الحصول على وظيفة للتخصص في ألمانيا.
إذا لم يعثر الطبيب على فرصة عمل في التخصص الذي يرغب به فيمكنه البدء بالعمل في تخصص آخر، وبعد ذلك يمكنه المراسلة والبحث بهدوء إلى أن يعثر على فرصة في التخصص الذي يرغب به. نفس الموضوع إن كان يرغب بتغيير التخصص.
لنقل إن الطبيب قد عمل لمدة سنتين في تخصص جراحي، وبعد ذلك شعر بأن التخصص متعب جداً وغير مناسب له وأراد التغيير إلى تخصص ضغط العمل فيه أقل نوعاً ما.
نظرياً كل ما يحتاج له الطبيب في هذه الحالة هو العثور على شاغر في التخصص الذي يرغب به ومراسلة القسم. وبوجود خبرة سابقة لديه تكون لديه فرصة جيدة في الحصول على العمل.
وفي هذه الحالة يوقع الطبيب عقد العمل الجديد ثم يقدم استقالته من العمل القديم قبل فترة مناسبة حسب عقد العمل (عادة قبل شهر على الأقل) ثم يبدأ العمل في المكان الجديد. وهكذا يتم ببساطة تغيير التخصص.
ويمكن في كثير من التخصصات احتساب جزء من فترة التخصص السابقة ولو كانت في مجال مختلف. ويساهم ذلك في اختصار الفترة الإجمالية للتخصص.
إن هذه الميزة بالنسبة للمرونة في تغيير التخصص والتداخل في حساب فترات التدريب قد لا تكون متوفرة في كثير من البلدان الأخرى، وهي تعتبر من الإيجابيات المهمة للتخصص في ألمانيا.
بعد إنهاء التخصص في ألمانيا يحصل الطبيب على شهادة الفاخ أرتز (Facharzt)،وتعني الطبيب الاختصاصي. تعتبر شهادة الفاخ أرتز الألمانية من الشهادات الطبية المرموقة في العالم، والتي تفتح أمام صاحبها الكثير من الأبواب.
إذا رغب الطبيب بالبقاء في ألمانيا فإن هذه الشهادة تتيح له الارتقاء في السلم الوظيفي إلى طبيب اختصاصي ثم استشاري وربما أعلى من ذلك، كما يحق له عندها فتح عيادة خاصة باسمه.
ومن يحصل على شهادة الفاخ أرتز الألمانية بالإضافة إلى الجنسية الألمانية يمكنه أن يعمل كطبيب اختصاصي أو استشاري في أي دولة من دول الاتحاد الأوروبي.
إذا عمل الطبيب في تخصصه لبضع سنوات بعد حصوله على الشهادة فيمكنه العمل كطبيب استشاري في دول الخليج العربي، ويتيح له ذلك الحصول على دخل محترم حسب إمكانياته ومجال خبرته.
وفي معظم الدول العربية تعتبر الشهادة مؤهلاً كبيراً، وإذا رغب صاحبها بالعودة إلى بلده فهي تتيح له الحصول على سمعة جيدة بين المرضى باعتباره خريج ألمانيا، كما تمكنه من الدخول في مجال التدريس في كليات الطب وتبوّء مكانة مرموقة في المستشفيات.
بالإضافة إلى ذلك فإن الخبرة العملية والإدارية الكبيرة التي يحصل عليها الطبيب من ألمانيا تتيح له المساهمة في تطوير النظام الصحي في بلاده وتحسين الكثير من الأمور من خلال تبنّي التنظيمات والممارسات المطبقة في ألمانيا وتطبيقها في بلاده.
تحدثنا عن هذه الأمور بالتفصيل في مقالة منفصلة حول الخيارات المتاحة للطبيب بعد التخصص في ألمانيا، وفيها معلومات مهمة جداً عن مزايا الطبيب الذي لديه شهادة الفاخ أرتز.
أخيراً فإن شهادة الفاخ أرتز ربما لا تكون أفضل شهادة تخصصية في العالم، ولكنها حتماً شهادة قوية على مستوى أوروبا والعالم وتفتح أمام صاحبها الكثير من الآفاق المستقبلية.
في ألمانيا لا يوجد سقف لطموحاتك. لا يشكل الحصول على شهادة التخصص الألمانية نهاية الطريق، وإنما في الواقع بداية المشوار في مجال التخصص. حين يتابع الطبيب عمله في ألمانيا كاختصاصي أو استشاري فهو يُراكم المزيد من الخبرة ويطور نفسه تدريجياً في تخصصه.
النقطة الأولى في هذا المجال هي إمكانية تعميق التخصص أو إجراء تخصصات فرعية أو جانبية قريبة من المجال الأساسي. ويعتبر ذلك متاحاً في الكثير من المستشفيات وفي الكثير من التخصصات.
وبعد تعميق التخصص في مجال معين يمكن للطبيب التركيز على العمل في هذا المجال إلى أن يصبح خبيراً به، ليس فقط على ألمانيا وإنما أيضاً على مستوى العالم. وهذا الأمر متاح للأجانب مثلهم مثل الألمان.
النقطة الثانية هي أن من الممكن للطبيب دائماً أن يتنقل بين المستشفيات، فهذه الأمور مرنة للغاية. إذا لم يعجبك مستوى العمل يمكنك البحث عن عمل في مركز أكبر أو في مستشفى جامعي، أو في مكان تخصصي. الموضوع يعتمد على طموحك ومؤهلاتك.
النقطة الثالثة في هذا المجال هي كثافة الكورسات الطبية والمؤتمرات العلمية وورشات العمل التي تجرى في ألمانيا، والتي تتيح للطبيب المحافظة على معلوماته والحصول على كل ما هو جديد في مجاله. سنتوسع قليلاً في هذا الموضوع.
تعتبر الكورسات الطبية التي تجرى في ألمانيا إحدى الإيجابيات الكبيرة في المجال الأكاديمي. تجرى هذه الكورسات بكثافة كبيرة وبتواتر مرتفع في جميع التخصصات وفي مجالاتها الفرعية، وتكون أحياناً في مجالات دقيقة جداً.
تكون الكورسات موجهة لمستويات أكاديمية مختلفة. فهناك مثلاً كورسات مبسطة حول الأساسيات تكون موجهة للأطباء المقيمين في بداية مشوارهم الطبي، وهناك كورسات تخصصية تكون موجهة للاختصاصيين والاستشاريين، وهناك كورسات في أمور وتقنيات متقدمة وتخصصية يشارك فيها الخبراء ورؤساء الأقسام.
تضاف إلى ذلك ورشات العمل التي يتعلم فيها الأطباء التداخلات التشخيصية والعلاجية في مجال معين. يتم في مثل هذه الورشات تقديم معلومات نظرية وعرض أمثلة عملية، ثم يسمح للمشاركين إجراء هذه التداخلات بأنفسهم، مثلاً على نماذج صناعية أو على الحيوانات.
ويسمح للطبيب بالتغيب عن العمل لخمسة أيام على الأقل في السنة الواحدة لحضور مثل هذه النشاطات يمكن زيادتها في حالات معينة. حيث يقوم كل طبيب باختيار الكورسات التي يراها مناسبة له من بين قائمة كبيرة من الخيارات.
والكثير من هذه الكورسات ضرورية أثناء فترة التخصص لاكتساب بعض المعارف والتدرب عليها بشكل عملي، نظراً لأن ضغط العمل قد لا يسمح بتعلم هذه الأمور في الحياة اليومية. انظر مقالة سير التخصص الطبي في ألمانيا.
مع كل مشاركة في نشاط علمي يحصل الطبيب على نقاط تضاف إلى رصيده. وتعتبر المشاركة في الكورسات والمؤتمرات إجبارية على الطبيب الاختصاصي، حيث يتوجب عليه جمع عدد معين من النقاط كل خمس سنوات للمحافظة على تسجيله في نقابة الأطباء.
بالإضافة إلى ذلك يمكن للطبيب إن أراد الدخول في المجال الأكاديمي، والذي يقصد به بالذات مجال الأبحاث الطبية والتدريس. ويعتبر ذلك متاحاً لأي طبيب أجنبي مثله مثل الطبيب الألماني، في حال تمكنه من تحقيق الإجراءات المطلوبة..
لا تجرى الأبحاث الطبية في كل مستشفى في ألمانيا، حيث تتركز في المستشفيات الجامعية والمستشفيات الكبيرة. على الرغم من ذلك تقوم الكثير من المستشفيات الصغيرة بإجراء أبحاث محدودة أو تشارك في أبحاث أكبر مع المراكز الأخرى.
حين يكون لدى الطبيب رغبة بالدخول في هذا المجال فيمكنه تنسيق ذلك مع رئيس قسمه أو ربما الانتقال للعمل في مستشفى جامعي، وهو أمر ليس صعباً للطبيب الذي لديه شهادة تخصص، حتى ولو لم يكن قد أجرى التخصص سابقاً في مستشفى جامعي.
وهناك أيضاً كورسات خاصة تؤهل الطبيب للدخول في مجال الأبحاث والدراسات، وفي هذه الحالة يمكنه المشاركة في الأبحاث الكبيرة مع الاستشاريين أو الأساتذة المشرفين على الدراسة.
وعند العمل في المستشفيات الجامعية والتعليمية يشارك الطبيب الاستشاري أيضاً في تدريس طلاب الطب. وهنا يمكنه بعد إجراء عدد كبير من الأبحاث والعمل في التدريس لفترة معينة الحصول على مؤهلات أكاديمية تؤهله للحصول على لقب بروفيسور.
بعد أن يحصل الطبيب على شهادة الاختصاص ويراكم المزيد من الخبرة في مجال تخصصه فربما يرغب بالعمل في عيادة خاصة أو أن يبقى في مجال المستشفيات ويرتقي في السلم الوظيفي.
وهنا لا يوجد حدود لما يمكن للطبيب تحصيله، كل حسب طموحه وجهوده. يمكن مثلاً بعد الحصول على خبرة كافية التقدم لوظيفة استشاري. والتي تفتح للطبيب إمكانية كبيرة لتطوير نفسه في مجاله.
إذا قام الطبيب أيضاً بتعميق التخصص أو إجراء تخصصات فرعية أو قام بالدخول في المجال الأكاديمي فإن ذلك يتيح له تدريجياً الارتقاء إلى المناصب القيادية، حيث قد يصبح رئيساً للأطباء (leitender Oberarzt)أو حتى رئيساً للقسم (Chefarzt).
بعض الأطباء يسلكون الاتجاه الإداري ويتولون مناصب إدارية في المستشفيات التي يعملون بها. فإذاً لا يوجد سقف لما يمكن للطبيب أن يحققه في ألمانيا، وإمكانية الارتقاء الوظيفي عند توفر الإرادة والعمل متوفرة دائماً.
للمزيد من المعلومات يمكنك الاطلاع على مقالة المسميات الوظيفية للطبيب في ألمانيا حيث تحدثنا فيها بالتفصيل عن كل درجة وظيفية بالإضافة إلى المهام والدخل المتوقع.
بطبيعة الحال لن يصبح كلُّ طبيب رئيسَ قسم أو يدخل في المناصب القيادية وتعقيداتها. الموضوع متعلق بالرغبة الشخصية والمجهود الذاتي وتوفر الفرص المناسبة. الكثيرون لديهم إمكانيات كبيرة ولكن لم تسنح لهم الفرصة المناسبة.
قد لا تُعتبر ألمانيا الدولة الأفضل على مستوى العالم فيما يتعلق برواتب الأطباء. ولكن الطبيب يحصل في ألمانيا على دخل مرتفع يتيح له العيش بكرامة بما يتناسب مع الدرجة العلمية التي يحملها والمسؤولية الملقاة على عاتقه.
ربما يكون الوضع المادي للطبيب في بداية حياته في ألمانيا غير مستقر، خصوصاً إذا اضطر للاستدانة حتى يتمكن من السفر. ولكن بعد ذلك يستقر الوضع المادي سريعاً. ويمكن للطبيب أن يدخر مبلغاً جيداً حسب عادات الإنفاق له ولعائلته.
وخلال فترة التخصص يزداد مرتب الطبيب في كل سنة مع زيادة خبرته. وبعد إنهاء التخصص يتعلق دخل الطبيب بالدرجة الوظيفية التي يحملها، فكلما ارتفع الطبيب في السلم الوظيفي كلما ازداد دخله.
ويبلغ الدخل الأساسي للطبيب الاستشاري حوالي 10,000 يورو في الشهر الواحد. وهذا يعني أن دخل الطبيب في ألمانيا يتيح له الحياة بشكل مريح والتركيز على عمله وتطوره المهني بدون الحاجة للقلق حول الأمور المالية. ويتيح هذا الدخل للطبيب مثلاً شراء منزل خاص به في بلده أو في ألمانيا، أو مساعدة أهله مادياً، أو السفر إلى بلدان أخرى للسياحة.
وقد تحدثنا بالتفصيل عن موضوع تكاليف السفر ورواتب الأطباء في ألمانيا في المقالة الخاصة بهذا الموضوع. كما يمكنك معرفة المبلغ التقريبي الذي تحتاج إليه للسفر إلى ألمانيا من خلال صفحة Brildox Cost Estimation.
قد يطرح بعض الزملاء هذا السؤال: إذا جئتُ إلى ألمانيا للتخصص ثم عدت إلى بلدي فوراً بعد إنهاء التخصص، فهل يمكنني خلال ذلك جمع بعض المال حتى يساعدني على الانطلاق في مسيرتي المهنية في بلدي؟
الإجابة تتعلق بالكثير من العوامل: هل هناك في مجال تخصصك مناوبات يمكن أن تزيد من الدخل؟ ما هي عادات الإنفاق لديك؟ هل لديك عائلة أو مصاريف جانبية؟ هل زوجتك تعمل أيضاً؟ ما هو المبلغ التي تحتاج إليه بالضبط؟
بعض الأطباء يمكنهم خلال فترة التخصص توفير 1500 يورو في الشهر الواحد، أقل أو أكثر. في حالات استثنائية يمكن للطبيب حتى بوجود عائلة أن يوفر 2500 في يورو في الشهر. لن تصبح من الأثرياء، ولكن يمكنك توفير مبلغ يكفي على الأقل لشراء شقة وسيارة في بلدك.
لن أتحدث في هذه الفقرة عن رفاهية البذخ، وإنما عن الخدمات الأساسية التي تعتبر بالنسبة للكثير من الناس في الدول الأخرى من رفاهيات الحياة، ولكنها بالنسبة للشعب الألماني من أساسيات الحياة البديهية!
تشكل جميع الخدمات جزءاً طبيعياً من الحياة في ألمانيا. الكهرباء متوفرة على مدار الساعة، ولا يحدث انقطاع في التيار الكهربائي إلا في حالات نادرة جداً (لم أشهد ذلك إلا مرة واحدة فقط ولمدة 20 دقيقة خلال ثمان سنوات). ويتم توليد 33% منها بواسطة الطاقة النظيفة (الرياح، الماء، الطاقة الشمسية).
جميع البيوت والشقق في ألمانيا مزودة بالمياه. معظم الشقق الحديثة مزودة مركزياً بالماء الساخن الذي يتوفر على امتداد 24 ساعة في جميع صنابير الشقة، بما في ذلك المطبخ والحمامات.
وتعتبر المياه التي يتم ضخها في شبكة المياه العامة نظيفة وقابلة للشرب، وهي في معظم الأحيان جيدة الطعم، حيث يختلف طعمها من منطقة لأخرى. بعض الناس يفضلون شراء المياه المعدنية.
كذلك فإن التدفئة المعتمدة في ألمانيا هي التدفئة المركزية من خلال الماء الذي يتم تسخينه مركزياً وضخه في أجهزة التدفئة في كامل البناء. وبذلك حتى في فترات البرد الشديد يشعر الإنسان بالدفء داخل الأبنية. يستخدم البعض التدفئة الكهربائية.
كانت ألمانيا في الماضي أكثر برودة، وكانت الثلوج تغطي الكثير من مناطق ألمانيا لفترات طويلة في الشتاء. أما في الوقت الحالي فقد أصبح الطقس أكثر دفئاً بسبب التبدلات المناخية، والذي يعتبر اليوم مقبولاً جداً.
يتفاوت الطقس نوعاً ما من منطقة لأخرى حسب الكثير من العوامل مثل الارتفاع عن سطح البحر وطبيعة المنطقة والقرب من الشمال أو الجنوب.
يكون الجو في الصيف دافئاً وجميلاً، وقد يكون حاراً نسبياً حسب المقاييس الألمانية لبضعة أيام في الصيف حين تصل درجات الحرارة إلى أكثر من 30 درجة. ولا يحل الظلام إلا في التاسعة أو العاشرة مساءً.
أما الشتاء فهو معتدل البرودة، حيث تنخفض الحرارة لتحت الصفر لبضعة مرات في الشتاء. ولكن النهار يكون قصيراً جداً، حيث تغرب الشمس في حوالي الرابعة مساءً في ذروة الشتاء.
في بعض المناطق لا تنخفض الحرارة في الشتاء لأقل من 5 درجات تحت الصفر، أما في المناطق الريفية الجبلية فقد تنخفض إلى 15 درجة تحت الصفر أو أقل من ذلك.
تعتبر ألمانيا من أفضل دول العالم في المواصلات. كل منطقة مغطاة بشبكة مواصلات مناسبة حسب كثافة الحركة فيها مثل القطارات السريعة والعادية بالإضافة إلى الترام والباصات وقطارات الأنفاق في المدن الكبرى. وأسعارها عادة مناسبة للجميع.
تتحرك وسائل النقل المختلفة وفق برنامج ثابت ومحدد يمكن عادة العثور عليه على الإنترنت أو في التطبيقات المختلفة على الهواتف الذكية، مما يسهل على جميع الناس التخطيط لتحركاتهم بشكل مسبق ودقيق.
يمكن في ألمانيا شراء السيارات المستعملة بأسعار رخيصة (يمكن الحصول على سيارة جيدة بمبلغ 5000 يورو). وتتوفر محطات الوقود في كل مكان داخل وخارج المدن بكثافة كبيرة. وفترات الانتظار على المحطة تتراوح من صفر إلى دقيقتين.
أما الشوارع وحركة المرور والسير فهي منظمة بشكل رائع، وخصوصاً شبكة الطرق السريعة التي تربط بين المدن الألمانية المختلفة، وتتميز بأن السرعة عليها مفتوحة نظراً لأنها معدة بشكل ممتاز حتى للسرعات العالية.
تتوفر مراكز التسوق في كل مكان. حتى المدن والبلدات الصغيرة تحتوي على مراكز تسوق ممتازة، سواءً تلك الخاصة بالمواد الغذائية أو الثياب أو وسائل النظافة والعناية الشخصية أو الأجهزة الإلكترونية أو الصيدليات.
كما يعتبر الشراء عبر الإنترنت شائعاً جداً في ألمانيا، حيث يمكنك أن تشتري أي شيء من أي موقع إلكتروني وتدفع عن طريق حسابك البنكي لتصل المشتريات إليك وأنت في منزلك.
أما بالنسبة للجوانب الترفيهية الحقيقية فهي كذلك جزء من الحياة الطبيعية في ألمانيا. بوجود الاستقرار المادي يمكنك في ألمانيا القيام بأي نشاط ترغب به. يمكنك مثلاً السفر في كل عام إلى بلد جديد للسياحة.
وبداخل ألمانيا هناك الكثير من النشاطات الترفيهية مثل مراكز التسوق الكبيرة والمهرجانات ومدن الألعاب وصالات البولينغ، بالإضافة إلى وجود مئات المتاحف والمكتبات والنشاطات الثقافية شبه اليومية في المسارح والمعارض ودور الأوبرا.
كما يمكنك ممارسة أي هواية ترغب بها، حيث يعتبر الشعب الألماني من الشعوب العاشقة للهوايات. هناك مثلاً متاجر كبيرة خاصة بالدراجات ومتاجر خاصة بأدوات صيد السمك، وأخرى مخصصة لهواة الرسم أو تركيب النماذج المصغرة أو غير ذلك.
أما الرياضة فهي أمر آخر. الطقس والحدائق الكثيرة تتيح لأي كان ممارسة المشي والركض. الصالات الرياضية موجودة بكثرة في كل مكان. يمكنك الذهاب للتزلج على الجليد في الكثير من المناطق الجبلية المخصصة لذلك، حتى القفز بالمظلات!
فإذاً بشكل عام الحياة في ألمانيا مريحة للغاية، وكل متطلبات الحياة متوفرة بشكل سهل ومتاح للجميع حتى لذوي الدخل المحدود. كل ما يطلب منك هو أن تركز على عملك وأن تكون عضواً منتجاً ومفيداً في مجتمعك!
إن الحياة في بيئة حضارية ونظيفة وجميلة يعطيك شعوراً بالراحة النفسية والاطمئنان ويساعدك على التغلب بشكل أفضل على مصاعب الحياة.
في ألمانيا تسيطر الحضارة والنظافة في معظم الأماكن. الشوارع جميلة ومرتبة والأبنية أنيقة في معظم الأماكن، خصوصاً في المدن الأقدم والأعرق، مع وجود الكثير من الأشجار والمساحات الخضراء.
يضاف إلى ذلك الطبيعة الجميلة الموجودة بداخل وخارج المدن. الكثير من المدن تحتوي بداخلها على حدائق واسعة مع بحيرات كبيرة حيث يمكنك قضاء وقت جميل بدون أن تخرج من مدينتك. لن أتحدث عن الطبيعة الأوروبية المعروفة للجميع خارج المدن!
تعتبر الجالية العربية في ألمانيا من أكبر الجاليات العربية في أوروبا، إلى جانب فرنسا وإيطاليا وإسبانيا. وحسب إحصائيات عام 2022 فإن هناك أكثر من مليون وأربعمائة ألف عربي يعيشون في ألمانيا. يمنحك ذلك الكثير من المزايا.
أولاً يمكنك في أي مدينة العثور على أشخاص عرب أو عائلات عربية والقيام بنشاطات مشتركة معهم. ثانياً تتوفر المتاجر العربية والمطاعم العربية في كل مكان حيث يمكنك العثور على جميع البضائع التي ترغب بها.
ثالثاً تتوفر المساجد في معظم المدن حتى الصغيرة منها. وتقام فيها صلاة الجمعة وصلاة التراويح في رمضان، كما تقام في عيد الفطر وعيد الأضحى نشاطات في معظم المساجد.
بالإضافة إلى ذلك فإن الجالية التركية تدير الكثير من المتاجر والمطاعم والمساجد في ألمانيا. وهي أكبر جالية أجنبية في ألمانيا، حيث يقدر عدد الأتراك الذين لديهم إقامة دائمة بحوالي مليون ونصف، يضاف إليهم عدد مقارب من الأتراك الذين يحملون الجنسية الألمانية.
تتميز ألمانيا بموقعها الاستراتيجي في مركز أوروبا. تتوسط ألمانيا القارة العجوز وتتاخم مباشرةً تسعة بلدان من دول أوروبا الشرقية والغربية. وبذلك فإن الوصول من ألمانيا إلى أي مكان في أوروبا بسيط جداً.
يمكنك بواسطة السيارة أو القطار السفر بسهولة إلى أي دولة قريبة منك بواسطة البر وبدون وجود حواجز حدودية. وهناك عدة رحلات في اليوم تصل ألمانيا بالدول المجاورة عبر الشبكة الحديدية المذهلة المتوزعة بين البلدان الأوروبية.
وبواسطة الطائرة تصل خلال ساعتين على الأكثر إلى أي دولة أوروبية أخرى. سهولة التنقل تجعل هذا الأمر بسيطاً جداً، وذلك من خلال توفر 38 مطار دولي موزعة في أرجاء ألمانيا، من بينها 16 مطاراً رئيسياً.
على سبيل المثال يمكنك الطيران إلى إحدى جزر البحر المتوسط يوم الجمعة والعودة يوم الأحد. وهكذا تكون قد حصلت على إجازة قصيرة خلال عطلة نهاية الأسبوع.
لهذا السبب فإن الحركة بين الدول الأوروبية كثيفة جداً. وفي حالة الأطباء إما بقصد السياحة في فترات العطلات، أو لحضور الكورسات أو المؤتمرات المختلفة.
بالإضافة إلى ذلك فإن ألمانيا قريبة من العالم العربي إذا ما قورنت بالولايات المتحدة أو كندا أو أستراليا. ويمكنك خلال 3-6 ساعات بواسطة الطائرة أن تكون في بلدك. وبذلك يمكنك زيارة بلدك وأهلك بسهولة.
الكثير من الأطباء عاشوا كل حياتهم في بلادهم: بعد إنهاء الدراسة الثانوية قاموا بالدراسة في كلية الطب أيضاً في بلدهم، وربما عملوا أيضاً لفترة من الزمن هناك، ولم يحتكوا من قبل بالعالم الخارجي.
إن السفر إلى بلد آخر والعمل فيه ومخالطة أهله يعطيك نظرة مختلفة كلياً للحياة والعالم، ويغير الكثير من الأفكار والقناعات الموجودة لديك، والتي زرعت فيك بشكل طبيعي من خلال وجودك في بيئتك الأم.
ألمانيا هي بلد متعدد الثقافات حيث يشكل السكان الأجانب أو من أصول مهاجرة أكثر من ربع عدد السكان. في ألمانيا ستصادف أشخاصاً من كل دول العالم، ستتعامل مع أشخاص من جميع الأعراق والألوان والأديان. كما سيتاح لك السفر إلى الدول المجاورة ومعرفتها عن قرب.
حين تتواصل مع الناس من الثقافات الأخرى فإن ذلك يعطيك نظرة شمولية للعالم. سيصبح أفقك أكثر اتساعاً وستتقبل الاختلاف بين البشر بشكل أفضل، كما ستخفف من تعصبك تجاه أفكارك ومعتقداتك، وستتغير نظرتك إلى الكثير من الأمور في الحياة.
قبل الانتقال إلى الفقرة التالية لا بد من التنويه إلى أن الكثير من الأطباء لا يتمكنون من الاستمتاع بالرفاهيات الموجودة في ألمانيا بسبب ضغط العمل وضيق الوقت، فالكثير منهم ليس لديه الوقت أو الطاقة لممارسة الرياضة أو ليس لديه الاهتمام بمتابعة أي نشاط ثقافي!
في هذه الفقرة سنناقش بالتفصيل الكثير من الأمور التي تندرج جميعاً تحت ما يدعى باسم social security أي الشعور بالأمان والاستقرار الاجتماعي لدى الحياة في ألمانيا على المدى الطويل. والمصطلح الألماني هو soziale Sicherheit.
بمجرد توقيعك عقد العمل الأول في ألمانيا فسوف تحصل من مكتب الأجانب على إقامة العمل، والتي تكون في البداية إقامة مؤقتة، واسمها الرسمي هو صفة الإقامة المؤقتة (befristeter Aufenthaltstitel).
تكون الإقامة المؤقتة سارية طوال فترة عقد عملك. أما مفهوم الكفيل بالنسبة للمقيمين الأجانب فهو غير موجود في ألمانيا: عقد العمل في هذه الحالة هو بمثابة الكفيل!
ما هي فائدة إقامة العمل؟ هذه الإقامة تسمح لك بالعمل كشخص أجنبي في ألمانيا. وهي تتيح لك الخروج والدخول إلى ألمانيا كيفما تشاء.
كما تتيح لك التنقل بحرية في كل دول الاتحاد الأوروبي. يمكنك أيضاً شراء سيارة وحتى منزل، والحصول على الإعانة المالية الخاصة بالأولاد.
يتم استخراج إقامة العمل من مكتب الأجانب. تحتاج في هذه الحالة لتقديم عقد العمل وممارسة ترخيص مهنة الطب (المؤقت أو الدائم) وعقد أجار المنزل كإثبات على مكان سكنك، بالإضافة إلى بعض الأوراق الأخرى التي تختلف من دائرة أجانب لأخرى.
بعد حوالي سنتين من البدء بالعمل في ألمانيا تحصل على الإقامة الدائمة. وماذا تعني الإقامة الدائمة؟ هي إقامة غير مرتبطة بعقد العمل. وبذلك فهي تدعى بصفة الإقامة غير المحدودة (unbefristeter Aufenthaltstitel)،وتدعى أيضاً بترخيص الإقامة الدائم (Niederlassungserlaubnis).
ماذا يعني ذلك من الناحية العملية؟ حتى لو انتهى عقد العمل الخاص بك وبقيت بدون عمل، فإن الإقامة ستبقى لديك بشكل دائم (إلا إذا غادرت ألمانيا لفترة تتجاوز الستة أشهر).
يتم التقديم على الإقامة الدائمة أيضاً في مكتب الأجانب بطبيعة الحال. ويُطلب من الطبيب عادة إثبات بالرواتب التي حصل عليها في الفترة الأخيرة وكشف التأمين التقاعدي الخاص به، بالإضافة إلى عقد عمله الحالي وإثبات مكان سكنه.
حين يقيم أي شخص في ألمانيا لفترة كافية ويحقق الشروط المطلوبة فهو يمكن في النهاية أن يحصل على الجنسية الألمانية. في كل عام يحصل حوالي 100,000 شخص وسطياً على الجنسية الألمانية.
الفترة النظامية للحصول على الجنسية الألمانية هي عادة ثمان سنوات من الإقامة في ألمانيا. يمكن تقليص هذه الفترة إلى سبع سنوات عند المشاركة في كورس بسيط يدعى باسم دورة الاندماج (Integrationskurs).
كما يمكن تقليصها إلى ست سنوات في حالات خاصة: لدى اللاجئين، عند وجود مستوى لغوي مرتفع، في حال ممارسة النشاطات التطوعية، ولدى أصحاب المؤهلات العالية مثل الأطباء. قد تختلف الشروط من ولاية لأخرى.
فإذاً في معظم الأحيان يمكنك بعد ست سنوات من الإقامة في ألمانيا الحصول على الجنسية الألمانية إن أردت. وماذا تعني الجنسية؟ هي أن يصبح لديك جواز سفر ألماني، والذي يعتبر من أقوى جوازات السفر في العالم.
كما تحصل على هوية شخصية ألمانية، وبذلك تُعامل في ألمانيا معاملة المواطن الألماني: يحق لك الإقامة في أي بلد في الاتحاد الأوروبي، يحق لك المشاركة في الانتخابات أو الترشح لها، وغير ذلك من المزايا.
هل يجب أن تتخلى عن جنسيتك الأساسية؟ الموضوع يختلف حسب بلدك الأم. إذا كان بلدك يسمح بالحصول على جنسيتين معاً فيمكنك الاحتفاظ بجنسيتك الأصلية مع الجنسية الألمانية. وإلا فعليك التنازل عن جنسيتك الأساسية للحصول على الجنسية الألمانية.
فإذاً بغض النظر عن كل هذه المعلومات التي قد تكون مبكرة بعض الشيء بالنسبة للطبيب الذي لا يزال يفكر بالسفر، فإن الطبيب الذي يعمل في ألمانيا لمدة سنتين سوف يحصل بعد ذلك على إمكانية الإقامة بشكل دائم في ألمانيا، وسوف يحصل خلال ست سنوات أو سبع سنوات على الأكثر على الجنسية الألمانية.
لا بد من الإشارة إلى وجود قوانين جديدة ستطبق قريباً تتيح منح الجنسية الألمانية خلال فترة أقصر تبلغ 3-5 سنوات، بالإضافة إلى إمكانية الاحتفاظ بالجنسية الأم بدون التخلي عنها. سنقوم بتحديث هذه الصفحة حين تصبح القوانين الجديدة نافذة.
يعتبر التأمين الصحي أحد أفضل المزايا التي يحصل عليها المقيمون في ألمانيا. وحين تعمل في ألمانيا فأنت تدفع بشكل تلقائي أقساطاً شهرية من راتبك للتأمين الصحي. تحدثنا عن النظام الصحي في ألمانيا بشكل مفصل في مقالة أخرى.
يتيح لك التأمين الصحي الحصول على الخدمات الصحية المختلفة بشكل شبه مجاني، ذلك لأنه سيكون عليك دفع مبالغ رمزية عند الحصول على بعض الخدمات الصحية، مثلاً عند شراء الأدوية أو عند الإقامة في المستشفى.
هذا يعني أنك سوف تحصل على كافة الخدمات الصحية التي تحتاج إليها سواءً في المستشفيات أو في عيادات الأطباء، بما في ذلك المعالجات السنية والعلاج الفيزيائي والنفسي. حتى الإجراءات المكلفة منها مثل العمليات الجراحية أو الإقامة في العناية المركزة.
ولا يقتصر الأمر عليك، بل يمتد ليشمل أفراد عائلتك بشكل تلقائي. هذا يعني أنه إذا كانت الزوجة فقط تعمل فإن التأمين الصحي الخاص بها سوف يغطي الزوج والأولاد أيضاً.
يبلغ سن التقاعد النظامي في ألمانيا 67 عاماً. وهذا السن ليس إجبارياً، فإذا رغب الطبيب بالتقاعد المبكر فهذا ممكن بدءاً من سن 62 سنة (أي قبل خمس سنوات، ولكنه يحصل على راتب تقاعدي أقل). وإذا رغب بالاستمرار بالعمل لبعد ذلك فهو أيضاً ممكن.
إلى متى يمكن للطبيب الاستمرار بالعمل في ألمانيا؟ في الواقع لا توجد حدود عمرية معينة، حيث يمكن للطبيب أن يستمر بالعمل مهما بلغ عمره، إذا رغب بذلك طبعاً. حتى التسعين مثلاً؟؟ ولم لا!
كل شخص يعمل في ألمانيا يتوجب عليه أن يدفع ما يدعى باسم التأمين التقاعدي (Rentenversicherung).ويتيح له ذلك الحصول على راتب تقاعدي في المستقبل.
وحين تعمل في ألمانيا كطبيب فإن أقساط التأمين التقاعدي تخصم من راتبك شهرياً بشكل تلقائي وبدون أن تشعر بها. هذه الأقساط تذهب إلى صندوق التأمين التقاعدي التابع لنقابة الأطباء، والذي يدعى بالألمانية ärtzliche Versorgungswerk.
حين تقرر التقاعد والتوقف عن العمل فسوف تحصل شهرياً على راتب تقاعدي، ليس كبيراً ولكنه يكفي لتأمين متطلبات الحياة. يبلغ المبلغ الصافي الذي يحصل عليه الأطباء في الوقت الراهن كراتب تقاعدي حوالي 2600 يورو شهرياً.
حين تتمتع بوجود الجنسية الألمانية (أو الإقامة الدائمة) مع الراتب التقاعدي، فهذا يعني أنه يمكنك قضاء فترة تقاعدك في ألمانيا. سيبقى تأمينك الصحي سارياً كذلك خلال فترة التقاعد. وهي ميزة كبيرة جداً للعمل في ألمانيا على المدى الطويل.
موضوع التقاعد متشعب جداً وفيه الكثير من التفاصيل. ولكن العبرة من الموضوع هي أن الطبيب الذي ينوي العمل في ألمانيا على المدى الطويل سيحصل على شعور بالاستقرار لأنه سيؤمن مستقبله بعد التقاعد من حيث حق الإقامة والراتب التقاعدي والخدمات الصحية.
الفقرة الأخيرة في هذه المقالة عن بعض الإيجابيات التي يحصل عليها الأولاد عند دراستهم في ألمانيا.
الميزة الأولى في الواقع متعلقة بالدعم المادي، ألا وهي إعانة الأطفال (Kindergeld)،وهو مبلغ شهري تدفعه لك الحكومة عن كل طفل لديك ويبلغ حوالي 250 يورو شهرياً، ويتم تحويله في كل شهر إلى حسابك البنك.
الهدف من هذه الإعانة هو تشجيع الألمان -وكذلك الأجانب- على الإنجاب ومساعدتهم في مصاريف الأولاد. إذا كان لديك خمسة أولاد فسوف تحصل على أكثر من 1000 يورو إضافية في الشهر معفاة من الضرائب!
ويستمر دفع هذه الإعانة حتى يصبح الطفل في الثامنة عشرة من العمر على الأقل. وإذا دخل إلى الجامعة بعد ذلك فإن الإعانة تستمر حتى الخامسة والعشرين من العمر.
بعد ذلك يأتي النظام المدرسي. يعتبر النظام المدرسي في ألمانيا من الأنظمة الحديثة، حيث يعتمد حتى الصف الرابع على تمرير المعلومات بشكل لطيف بدون إرهاق الأطفال بالواجبات المنزلية أو الامتحانات الصعبة.
بعد ذلك تبدأ مرحلة التعليم الحقيقية، والتي تعتمد عادة على التفاعل والحوار والتفكير أكثر بكثير منها على التلقين أو الحفظ.
بطبيعة الحال سوف يتقن الطفل اللغة الألمانية كلغة أم بشكل سريع جداً، كما سيتعلم الإنجليزية في المدرسة، وستكون العربية لغته الأم في المنزل. سيكون الطفل متعدد اللغات والثقافات، مما يجعله أكثر نضجاً وانفتاحاً على العالم.
بعد ذلك يأتي النظام التعليمي على المدى الطويل. تعتبر الجامعات الألمانية من أفضل الجامعات في العالم، ويأتي الطلاب الأجانب من كل أنحاء العالم للدراسة في ألمانيا. ستجد الكثير منهم في أي مدينة تحتوي على جامعة.
حين يدرس أولادك في المدارس الألمانية ويتخرجون منها فسيحصلون على فرصة الدراسة في الجامعات الألمانية بشكل شبه مجاني. والشهادات الجامعية الألمانية هي من أقوى الشهادات العلمية عالمياً.
تحدثنا في هذا الموضوع بشكل مجمل عن مزايا وإيجابيات التخصص والعمل في ألمانيا من وجهة نظر الأطباء العرب وما يمكن للطبيب أن يحصل عليه من مكاسب على جميع الأصعدة في رحلته أثناء التخصص وعلى المدى الطويل.
كتلخيص للموضوع يمكننا إجمال إيجابيات التخصص والعمل في ألمانيا التي ذكرت في هذه المقالة بالنقاط العشرين التالية:
إذا كانت لديكم المزيد من التساؤلات حول هذا الموضوع فيمكنكم طرحها على صفحات التواصل الاجتماعي. إذا كان لديكم أي تصحيح أو تحديث للمعلومات المذكورة في هذه المقالة فنرجو التواصل معنا مباشرة.