1. الرئيسية
  2. المقالات
  3. نظام التخصص في ألمانيا
  4. كيف تسير فترة التخصص؟

كيف يسير نظام التخصص الطبي في ألمانيا؟ مراحل فترة الاختصاص واكتساب المهارات الطبية

بواسطة: د. فراس الصفدي
آخر تحديث: 2023.08.01

حصلت على وظيفتك الأولى في ألمانيا؟ ممتاز. ولكن هل تعرف ما الذي ينتظرك؟ كيف ستسير سنوات التخصص في المراحل القادمة؟ وكيف ستحصل على المعرفة التي تؤهلك لتصبح طبيباً اختصاصياً؟

في هذا الموضوع المهم سأقدم لكم نظرة عامة على كيفية سير نظام التخصص الطبي في ألمانيا وكيف يتقدم هذا التخصص من المراحل الأولى وحتى إنهاء التدريب والحصول على شهادة الاختصاص.

مراحل سير التخصص الطبي في ألمانيا
إن الحصول على فكرة إجمالية عن نظام التخصص الطبي في ألمانيا يساعدك على معرفة ما ينتظرك من خطوات في المراحل القادمة على طريق تحقيق أهدافك!
Image credit: freepik license, with modification

كيف يسير نظام التخصص الطبي؟ المحتويات

مساحة إعلانية

الدخول في نظام التخصص الطبي

التخصص في ألمانيا هو عمل وليس دراسة. يتم التخصص الطبي بواسطة التعلم من خلال الممارسة والاحتكاك مع المرضى والاستفادة من خبرات الآخرين.

ويعتمد نظام التخصص –ليس فقط في ألمانيا وإنما في كل دول العالم– على توظيف الطبيب بحيث يعمل مع أطباء أقدم منه بمراحل مختلفة ويتسلم المسؤوليات بشكل تدريجي.

وبذلك فإن الدخول في نظام الاختصاص في ألمانيا يحتاج إلى العثور على فرصة عمل: قسم أو مستشفى يحتاج إلى طبيب مقيم للمساعدة في العمل اليومي والحصول على التخصص في الوقت نفسه.

يتم التخصص في ألمانيا بموجب عقد عمل بين الطبيب والمستشفى بحيث يقوم الطبيب بأداء مسؤوليات معينة ومقابل ذلك يحصل على راتب شهري وعلى التدريب اللازم ليصبح طبيباً اختصاصياً

حتى نفهم خطوات التخصص الطبي في ألمانيا سوف نتحدث في هذه المقالة عن قصة أمجد. أمجد هو طبيب عربي وصل إلى ألمانيا ونجح في تجاوز امتحانات التعديل وحصل على شهادة الأبروباتسيون. والآن سيبدأ التخصص في مجال أمراض الجهاز الهضمي في إحدى المستشفيات الكبيرة.

أمجد لديه صديق قديم من أيام كلية الطب يعمل منذ ثلاث سنوات في ألمانيا في مجال أمراض الجهاز الهضمي. أخبره بأن لديهم فرصة شاغرة في القسم وأن بإمكانه التقديم عليها. وهو سيحاول قدر الإمكان تزكيته لدى رئيس القسم بما يعرف عنه من صفات إيجابية.

تفيد العلاقات الشخصية في ألمانيا في العثور على عمل بشكل أسرع وخصوصاً العمل الأول

بعد مراسلة القسم وإجراء مقابلة العمل وافق رئيس القسم على توظيف أمجد كطبيب مساعد (طبيب مقيم) في القسم. حصل أمجد على عقد العمل (Arbeitsvertrag).إنه عقد بينه وبين المستشفى للعمل كطبيب مساعد بهدف التخصص في مجال أمراض الجهاز الهضمي ولمدة ست سنوات، وهي فترة التخصص الكاملة.

فإذاً يبدأ تخصص الطبيب في ألمانيا اعتباراً من اليوم الأول الذي يبدأ فيه بالعمل. لا توجد تواريخ معينة تحدد ذلك أو سنة دراسية لجميع الأطباء تبدأ في تاريخ معين. بدء التخصص ببساطة هو أي تاريخ يبدأ فيه عقد العمل الأول للطبيب، والذي يوافق في معظم الأحيان اليوم الأول من أي شهر.

يتوجب أن يوقع كل من الطبيب وإدارة المستشفى على نسختين من العقد. يحصل الطبيب على نسخة، والنسخة الأخرى تبقى في ملفه ضمن المستشفى.

عقد العمل
يجب على الطبيب قراءة عقد العمل وفهم جميع بنوده بشكل جيد قبل التوقيع عليه. وإن لم تكن لديه المعرفة الكافية بذلك فيفضل أن يسأل أحد زملائه القدامى.
Image credit: freepik license

يحتوي عقد العمل على الكثير من التفاصيل الخاصة بطبيعة العمل: فترة العقد الإجمالية، عدد ساعات العمل، عدد أيام الإجازة السنوية، الراتب الشهري، والكثير غير ذلك. مثلاً فترة التجربة التي ستكون موضوع الفقرة التالية.

بعد أن يبدأ الطبيب بالعمل يتوجب عليه التسجيل في نقابة الأطباء (Ärztekammer)الموجودة في الولاية التي يعمل بها. والتسجيل في النقابة هو أمر إجباري سواءً للأطباء المقيمين أو الاختصاصيين.

كما أن توقيع عقد العمل يتيح للطبيب مباشرة الحصول على الإقامة (Aufenthaltstitel)في ألمانيا، بالإضافة إلى المزايا الأخرى مثل التأمين الصحي والتقاعدي. وقد تحدثت عن نظام التأمين الصحي في ألمانيا في مقالة منفصلة.

يمكنك أن تعرف المزيد من التفاصيل عن كيفية الدخول في نظام التخصص الطبي في ألمانيا وطبيعة هذا النظام من خلال قراءة المقالة المفصلة الخاصة بهذا الموضوع في الموقع.

مساحة إعلانية

فترة التجربة

تدعى الفترة الأولى من العمل بفترة التجربة (Probezeit).فترة التجربة هي عادة أول ستة أشهر يقضيها الطبيب في العمل الجديد. الغاية من هذه الفترة هي أن يتعرف طرفا العقد على بعضهما البعض، وأن "يجربا" بعضهما البعض!

وفترة التجربة ليست مطبقة فقط في أول عمل للطبيب في ألمانيا، وإنما في كل عقد عمل جديد بغض النظر عن الدرجة الوظيفية للطبيب. أي عمل جديد تتسلمه في ألمانيا سيبدأ حتماً بفترة للتجربة حتى حين تصبح اختصاصياً أو استشارياً.

هذا يعني أن لدى أمجد ستة أشهر ليتعرف أكثر على المستشفى والقسم والأطباء الذين يعملون فيه. كما سيقوم الآخرون أيضاً بالتأكد من أن أمجد مؤهل ومناسب لهذا العمل.

هل وجد أمجد بأن جو العمل مقبول؟ هل استطاع التفاهم مع الفريق بشكل جيد؟ هل أعجبته نوعية العمل الطبي والإجراءات التي تتم في هذا القسم؟ هل ضغط العمل والمناوبات منطقية؟ عندها يمكنه أن يقرر البقاء.

إذا حصلت على فرصتك الأولى في ألمانيا فحاول أن تستمر حتى لو لم تكن مثالية واضطررت لتقديم بعض التضحيات فالعمل الأول هو الأصعب دائماً

هل وجد الطبيب بأن جو العمل سيء أو أن هناك هرمية مزعجة أو فوقية غير مريحة في التعامل بين الزملاء؟ هل كان المستوى الطبي في المستشفى أعلى أو أدنى مما كان يرغب به؟ لا يمكنه الاستمرار؟ يمكنك عندها فسخ العقد وترك العمل بشروط ميسّرة.

إن ميزة فترة التجربة هي إمكانية ترك العمل خلال أسبوعين من تقديم الاستقالة. حين لا يعجبك العمل يمكنك أن تقدم استقالتك الخطية وتعلم رئيس القسم بأنك لا تريد الاستمرار. وبعد أسبوعين يكون عقد العمل قد انتهى وتصبح حراً!

أما بعد انقضاء فترة التجربة (والتي تبلغ ستة أشهر عادة، ويمكن أن تكون أقصر من ذلك حسب الاتفاق) فإن ترك العمل يصبح أكثر صعوبة، حيث يخضع لشروط معينة ويحتاج إلى الانتظار لفترة أطول لا تقل عن شهر بعد تقديم الاستقالة قبل أن تتمكن من ترك العمل.

ضغط العمل لدى الأطباء في ألمانيا
الكثير من الأطباء يجدون خلال فترة التجربة بأن ضغط العمل يؤدي إلى إرهاق شديد جداً ولا يمكن تحمله مما يدفعهم إلى عدم الاستمرار والبحث عن وظيفة في مكان ضغط العمل فيه أقل. هذا الأمر شائع جداً في ألمانيا.
Image credit: Envato Elements License

بطبيعة الحال نفس الكلام ينطبق على الطرف الآخر! سيقوم رئيس القسم والأطباء الآخرون أيضاً بالتعرف أكثر على الطبيب والتأكد من أدائه وقيامه بالواجبات الموكلة إليه، بالإضافة إلى التحقق من شخصيته وأخلاقه وطريقة تعامله مع زملائه ومع المرضى.

إذا كان الانطباع العام عنه إيجابياً: يقوم بمهامه بشكل كامل، علاقته جيدة مع الطاقم الطبي والتمريضي، تعامله جيد مع المرضى، لا يوجد شكاوى أو اعتراضات عليه، ففي هذه الحالة يمكنه الاستمرار بالعمل بعد انقضاء فترة التجربة.

أما إذا كان الانطباع سلبياً بسبب تصرفات معينة مثل الإهمال أو عدم التعاون مع الزملاء أو التمريض أو عدم تنفيذ الواجبات بشكل كامل، فيمكن عندئذ التخلي عنه بعد أسبوعين من إعلامه بذلك، وبدون الحاجة لتقديم مبررات.

فترة التجربة في العمل الأول في ألمانيا

من المعروف أن العمل الأول في ألمانيا صعب جداً. لا يتوجب عليك فقط أن تتعلم نظام العمل في المستشفى وكيفية إدارة شؤون العمل في القسم، وإنما تحتاج إلى فعل ذلك باللغة الألمانية الصعبة التي يحتاج إتقانها إلى الكثير من الوقت! ومن الشائع جداً أن تكون الأشهر الأولى من العمل كارثية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. تحدث أحياناً حالات من الاكتئاب الحاد، الانهيار، البكاء، الندم، والكثير غيرها من الارتكاسات. سمعت الكثير من القصص!

نصيحتي الشخصية: تحمل الأشهر الستة الأولى من العمل. لا تتعجب إن شعرت بالعجز والجزع. توقع الأسوأ. ستشعر غالباً بسوء المعاملة، ليس بالضرورة لآن الآخرين سيئون، ولكن على الأغلب لأنك لم تتأقلم بعد ولا تزال غير قادر على إظهار أفضل ما لديك. اسأل عن كل شيء، اطلب المزيد من الوقت، تحدث مع الجميع وأظهر لهم أنك بحاجة لمساعدتهم ودعمهم، بما في ذلك طاقم التمريض. إذا تجاوزت هذه الفترة بنجاح فستكون قد حققت إنجازاً كبيراً، وخصوصاً إذا كنت لم تعمل سابقاً بعد تخرجك من كلية الطب.

نظراً لأن العثور على من يقبل بك في عملك الأول في ألمانيا هو أمر صعب في معظم الأحيان فأنا أنصح دائماً بالاستمرار بالعمل لفترة سنة واحدة على الأقل مهما كانت الظروف، إلا في الحالات الاستثنائية جداً.

مهما كان الوضع صعباً، كرس نفسك للعمل والمستشفى في هذه الفترة. طور نفسك على جميع الأصعدة الممكنة. اعتبر بأن هذه السنة ليست من حياتك!

وبعد حصولك على سنة واحدة على الأقل من الخبرة سوف تصبح جميع الأبواب مفتوحة أمامك، وسيصبح العثور على عملك الثاني أكثر سهولة إن أردت التغيير.

فترة التجربة ليست فترة تدريب بدون مرتب وإنما يحصل فيها الطبيب على مرتب مثل باقي الأطباء حسب عقد العمل المتفق عليه بين الطرفين

توكيل المهام بشكل تدريجي

كيف كان الوضع بالنسبة لأمجد؟ خلال أول شهرين كان سعيداً باستكشاف العالم الجديد: لم يتم تسليمه أي مسؤوليات حقيقية بعد، عليه فقط المراقبة والتعلم من الآخرين، وكانت توكل إليه بعض المهام البسيطة من قبل الزملاء في أقسام المرضى أو الإسعاف.

كما أنه لم يُعط بعد أي مناوبات، فهو لا يزال جديداً ولا يعرف كيف يسير العمل. كان يتوجب عليه العمل لخمسة أيام في الأسبوع فقط، أما في يومي السبت والأحد فقد كان يعطل عن العمل، وهي العطلة الأسبوعية النظامية في ألمانيا.

الاجتماع الصباحي في المستشفى
الاجتماع الصباحي هو طقس موحد في جميع المستشفيات الألمانية تقريباً. يجتمع الطاقم الموجود في القسم في إحدى قاعات المستشفى ويتم مناقشة الحالات الطبية التي تم علاجها خلال المناوبة بالإضافة إلى الحالات الحرجة في القسم وبرنامج العمل اليومي. هذا الشيف يبدو لطيفاً، ولكن الاجتماع الصباحي لا يخلو أحياناً من بعض الانتقادات المزعجة!
Image credit: freepik license

كان أمجد حريصاً على أن يكون دقيقاً في مواعيده لإعطاء انطباع إيجابي: يصل إلى المستشفى باكراً قبل وقت كاف من الاجتماع الصباحي، ولا يغادر المستشفى إلا مع آخر طبيب يخرج من القسم بعد أن ينتهي العمل.

قد تتساءل الآن عن توقيت بداية ونهاية العمل بالنسبة للأطباء. في الواقع هذا الموضوع كبير ويحتاج لمناقشة مفصلة، ولذلك تحدثت عنه في مقالة أوقات عمل الأطباء في ألمانيا. يمكنك كذلك مشاهدة الفيديو التالي الذي سجلته حول هذا الموضوع:

أوقات عمل الأطباء والإجازات السنوية في ألمانيا

فترة الإعداد

في الفترة الأولى من عمل الطبيب في المستشفى لا يتم تسليمه أي مسؤوليات وإنما يعطى الفرصة ليشاهد كيفية سير العمل ويتعلم من الزملاء. وهذه هي الفرصة الذهبية للسؤال والاستفسار عن كل شاردة وواردة قبل استلام المسؤوليات الحقيقية.

تدعى هذه الفترة عادة بفترة الإعداد (Einarbeitung)، وعادة ليس لها مدة محددة أو ثابتة وإنما يترك الطبيب ليتعلم براحته لعدة أشهر في عمله الأول إلى أن يصبح قادراً على تسلم المهام.

في الكثير من الأحيان لا يوجد إعداد أو تأهيل فعلي للطبيب، بمعنى أنه لا يوجد شرح كامل أو توضيح لكل ما يتم فعله، وهذا الأمر يعتمد بشكل كبير على المجهود الذاتي للطبيب: عليك أن تسأل بنفسك وأن تحاول تعلم كل ما يلزمك خلال هذه الفترة قبل أن تتسلم مسؤولياتك!

بعد حوالي شهرين أصبح أمجد يعرف الكثير عن نظام العمل وتحسن مستواه اللغوي. كما أتقن التعامل مع برنامج إدارة المرضى على الكمبيوتر بشكل سريع. عرض عليه الطبيب الاستشاري أن يتسلم العمل لوحده في الشتاتسيون (جناح المرضى) لمدة أسبوع.

تردد أمجد في البداية، فهو لا يزال غير واثق من نفسه ولغته لا تساعده بشكل كبير. ولكنه لم يرغب أن يخيب الظن به فوافق على ذلك. سيكون عليه بذل جهد مضاعف خلال الفترة القادمة.

الشتاتسيون (Station)

الشتاتسيونهو جناح مؤلف من عدة غرف يقيم فيه المرضى ذوي الحالات غير الحرجة. أما الحالات الحرجة فتكون بطبيعة الحال في وحدة العناية المركزة. وهناك تفاوت كبير في حجم الشتاتسيون بين المستشفيات والأقسام المختلفة. فعدد الأسرة المتوفرة في الشتاتسيون قد يتراوح من عشرة أسرة إلى خمسين سريرياً. وعدد المرضى في الغرفة الواحدة قد يتفاوت من مريض واحد حتى أربعة مرضى عادة.

التخصص الطبي الواحد قد يمتلك جناحاً واحداً أو أكثر حسب حجم القسم والمستشفى. وأحياناً يشترك أكثر من قسم في جناح واحد، مثلاً جراحة البطن مع جراحة الأوعية الدموية في جناح واحد في المستشفيات الصغيرة.

بشكل مشابه فإن مسؤولية الأطباء عن هذه الأجنحة تتفاوت بشكل كبير. قد يكون طبيب واحد مسؤولاً عن خمسة عشر مريضاً أو حتى أربعين مريضاً في الوقت نفسه، وقد يكون هناك أكثر من طبيب في الجناح يتقاسمون بينهم المسؤوليات. لا توجد قاعدة!

في الفيديو التالي تجد تقريراً قصيراً على اليوتيوب تتحدث فيه إحدى الطبيبات الألمانيات عن عملها في مستشفى صغير كطبيبة مقيمة في مجال الأمراض العصبية. يمكنك أن تشاهد من خلاله كيف يبدو العمل اليومي في المستشفيات الألمانية!

رابط مباشر للفيديو

مع مرور الوقت شعر أمجد أنه أصبح أكثر ثقة في التعامل مع الحالات الطبية المختلفة في القسم. كما ساعد الزملاء في قسم الإسعاف وعرف كيف يتم التعامل مع الحالات الباطنية وكيف يتم فحص المرضى وتشخيص الحالات الشائعة.

ومن خلال مراقبة الزملاء أثناء العمل وسؤالهم بشكل متكرر تحسنت خبرته في تخطيط القلب الكهربائي وتعلم الكثير عن استخدام أجهزة الإيكو والدوبلر في تشخيص الأمراض الشائعة.

تعلم المهارات الطبية في ألمانيا
يعتقد الكثير من الأطباء أن هناك من سيأخذ بيدهم ويعلمهم خلال الاختصاص كما كان الحال عليه في أيام الجامعة. في الحقيقة التعلم هي مسؤوليتك أنت فقط في أي مكان في العالم. عليك أن تراقب زملاءك وأن تلح عليهم بالأسئلة وأن تحاول الاستكشاف والتجربة والقراءة عن الموضوع بنفسك، بالإضافة إلى اتباع الكورسات اللازمة. بهذه الطريقة سوف تتعلم أي شيء، بما في ذلك التصوير بالإيكو الذي يعتبر من مسؤولية الطبيب السريري في ألمانيا.
Image credit: Envato Elements License

كان أمجد يسجل الأسئلة التي تخطر في باله أثناء عمله مع المرضى في كراسته الصغيرة، ويحاول البحث عن إجابات عليها في عطلة نهاية الأسبوع. على الرغم من ضيق الوقت إلا أنه كان يحاول قدر الإمكان القراءة والتعلم من الكتب والإنترنت. العلم في كل مكان!

أنا لا أمتلك مواهب خاصة. كل ما في الأمر هو أنني فضولي حتى النخاع

في نهاية شهره الرابع شعر أمجد بأنه جاهز لاستلام مناوبته الأولى (Dienst).لن يكون لوحده، فهناك طبيب استشاري سيكون مناوباً معه على الهاتف، ويمكنه الاتصال به في أي وقت وسؤاله عما يريد، وحتى استدعاؤه إلى المستشفى إن لزم الأمر.

وهكذا تم إدراج أمجد على جدول المناوبات (Dienstplan)خلال شهره الخامس من العمل. لم تكن المناوبة الأولى يوماً عادياً في حياة أمجد، ولكنه تمكن من إتمام مناوبته الأولى بنجاح!

المناوبات المتبعة في هذا القسم تتبع نظام 24 ساعة. يأتي الطبيب إلى المستشفى في الصباح، يبقى في المستشفى لمدة 24 ساعة، ثم يذهب إلى المنزل في الصباح التالي.

نظام المناوبات في ألمانيا

هناك نوعان من نظام المناوبات بالنسبة للأطباء المقيمين في ألمانيا: النظام الأول هو نظام الورديات أو نظام الساعات، مثلاً يأتي الطبيب المناوب إلى المستشفى في الثامنة مساءً ويغادر في الثامنة صباحاً بحيث يعمل لمدة 12 ساعة. أما النظام الثاني فهو نظام المناوبات الكاملة التي تبلغ 24 ساعة، من صباح اليوم إلى صباح الغد.

بجميع الأحوال يمنع على الطبيب المقيم أن يبقى في المستشفى لأكثر من 24 ساعة، وهي أقصى فترة للعمل المتواصل في ألمانيا. وبعد ذلك يتوجب عليه حتماً الراحة لمدة 24 ساعة قبل أن يسمح له بالعمل مجدداً. والغاية طبعاً هي حماية المرضى من الأخطاء الطبية بالإضافة إلى حماية الطبيب من الإرهاق النفسي والجسدي.

أما عدد المناوبات الشهرية وفق هذا النظام فيتفاوت بشكل كبير حسب نوع التخصص وحجم القسم والمستشفى وعدد الأطباء الموجودين وطبيعة المناوبات، حيث يتراوح من مناوبتين وحتى ثمان مناوبات في الشهر الواحد. وهناك حدود معينة لعدد الساعات الأسبوعية التي يسمح للطبيب بالعمل خلالها. ومهما ازداد عدد المناوبات إلا أن عدد ساعات العمل الأسبوعية الوسطي يجب ألا يتجاوز هذا الحد.

في حالة أمجد فقد كان يبقى في المستشفى في الأيام العادية من السابعة صباحاً حتى الخامسة مساءً لإتمام العمل بشكل كامل. وكان يقوم بأربع أو خمس مناوبات ليلية في الشهر الواحد.

ذكرت المزيد من التفاصيل عن أوقات عمل الأطباء في ألمانيا بالإضافة لموضوع الساعات الإضافية والإجازات السنوية في مقالة منفصلة.

عدد المناوبات الشهرية للأطباء في ألمانيا
حسب الاستطلاع الذي أجرته رابطة ماربورغ لعام 2019 فإن معظم الأطباء المقيمين في ألمانيا (62%) يقومون بثلاث إلى ست مناوبات شهرياً. بطبيعة الحال هناك تخصصات ليس فيها بالأساس مناوبات مثل المختبرات.
Image credit: Brildox, statistics from MB-Monitor 2019

انتهاء فترة التجربة

كانت الأشهر الستة الأولى صعبة على أمجد وخصوصاً بعد أن بدأ بالمناوبات الليلية. في بعض المناوبات تمكن من النوم ليلاً لساعتين أو ثلاثة. في إحدى المناوبات الهادئة تمكن من النوم لخمس ساعات!

في الكثير من المناوبات أخرى لم يتمكن أمجد من النوم على الإطلاق بسبب ضغط العمل المستمر، إما بسبب مرضى الإسعاف أو بسبب الكثير من المشاكل لدى مرضى الشتاتسيون.

تعرض لمواقف صعبة ومحرجة. لغته الألمانية لا تزال تتطور. في بعض الأحيان لا يفهم المرضى بشكل جيد ويحتاج لمساعدة الممرضات. لا يزال مبتدئاً في مجال تخصصه وليست لديه الخبرة الكافية بتشخيص وعلاج الحالات التي يصادفها، ويحتاج للتواصل مع الطبيب الاستشاري المناوب معه لعدة مرات في المناوبة الواحدة.

على الرغم من ذلك فقد كان أداؤه بشكل عام جيداً. صحيح أنه ارتكب بعض الأخطاء البسيطة في العمل وكان يحتاج إلى الكثير من الوقت لإتمام الأوراق والرسائل، ولكنه كان يتحسن تدريجياً، وكان باقي أعضاء الفريق راضين عن أدائه.

العلاقة بين الأطباء والممرضين
علاقة الطبيب بالطاقم التمريضي مهمة جداً لمستقبله في المستشفى. يعتبر طاقم التمريض عماد عمل المستشفى، ومعظم الممرضين والممرضات هم موظفون قدامى في المستشفى ورأيهم في الأطباء الجدد يؤخذ بعين الاعتبار. احترمهم، عاملهم بلطف، خذ برأيهم دائماً، وطد علاقتك معهم!
Image credit: Envato Elements License

قبل أيام من انتهاء فترة التجربة طلب منه رئيس القسم القدوم إلى مكتبه. أخبره بأن فترة التجربة تنتهي مع نهاية هذا الأسبوع وأنه كون انطباعاً إيجابياً، وسأله فيما إذا كان يرغب بالبقاء. طبعاً أمجد كان أيضاً راضياً بالعمل في هذا القسم على الرغم من صعوبته!

فإذاً تجاوز أمجد فترة التجربة بنجاح، وهو عازم على إكمال التخصص في هذه المستشفى. تبلغ فترة التخصص في أمراض الجهاز الهضمي ست سنوات انقضت منها حتى الآن ستة أشهر.

مقابلة نهاية فترة التجربة

في الكثير من المستشفيات يقوم رئيس القسم بإجراء مقابلة قصيرة مع الطبيب قبل انتهاء فترة التجربة لإعلامه بما تم اتخاذه من قرارات!

ربما يعتذر منه ويخبره بأنه لا يمكنه الاستمرار في القسم ويسلمه الإقالة الخطية، وقد يذكر له الأسباب (على الرغم من أنه ليس مضطراً لذلك قانوناً). وربما يخبره بأن الانطباع عنه كان إيجابياً ويمكنه الاستمرار بالعمل.

في الكثير من الحالات لا تجرى مثل هذه المقابلة على الإطلاق. تمر الأشهر الستة وتنقضي ويدخل عقد العمل في شهره السابع بدون أن يتم الاكتراث للطبيب! إذا حدث ذلك فاطمئن: الأمور على ما يرام، وفترة التجربة مرت على خير!

مساحة إعلانية

سنوات الاختصاص الأولى

في الحوار القصير الذي دار بين رئيس القسم وبين أمجد قام رئيس القسم بعرض خطة الفترة القادمة على أمجد: عليه أن يقوم خلال السنة القادمة بالعمل لمدة ستة أشهر في وحدة العناية المركزة ثم لمدة ستة أشهر في قسم الإسعاف.

بعد ذلك سوف تتم "إعارته" إلى أقسام أخرى في المستشفى لتحقيق فترة التدريب المطلوبة، حيث يتوجب عليه كجزء من هذا التخصص أن يجمع أيضاً بعض الخبرة في مجالات باطنية أخرى مثل الأمراض القلبية والصدرية والأورام.

فإذاً يتوجب على أمجد الآن وبعد انتهاء فترة التجربة أن يستكمل الفترات التدريبية والإجراءات الطبية المطلوبة منه للحصول على هذا الاختصاص، والتي تحددها عادة نقابة الأطباء، الجهة المسؤولة عن التخصص الطبي في ألمانيا.

متطلبات الحصول على التخصص في ألمانيا

للحصول على التخصص الطبي في أي مجال في ألمانيا يتوجب على الطبيب تحقيق أمرين خلال التخصص:

  1. قضاء فترة التخصص المطلوبة (Weiterbildungszeit): تتراوح فترة التخصص الطبي في ألمانيا بين خمس وست سنوات حسب التخصص. ومن ضمن هذه الفترة يتوجب على الطبيب أحياناً العمل لفترة معينة في قسم الإسعاف أو العناية المركزة أو غيرها. يجب على الطبيب أن يتم الفترة المطلوبة بشكل كامل.
  2. إتمام الإجراءات الطبية المطلوبة (Weiterbildungsinhalt):في كل تخصص هناك عدد معين من الإجراءات الطبية التي يجب أن يقوم الطبيب بإجرائها، مثلاً إتمام عدد معين من التصوير بالإيكو أو الفحص بالمنظار أو العمليات الجراحية.

يتم توثيق الفترات التدريبية والإجراءات التي قام بها الطبيب في الوثيقة التي تعرف باسم اللوغ بوخ (Logbuch)،وهي جداول مفصلة بالإجراءات التي قام بها الطبيب حيث يتوجب على رئيس القسم التوقيع عليها في نهاية فترة التخصص ليتم تقديمها إلى نقابة الأطباء. ولكن اعتباراً من سنة 2021 تم البدء بتطبيق اللوغ بوخ الإلكتروني، حيث يتم إدخال المعلومات في موقع خاص على الإنترنت تابع لنقابة الأطباء.

بالإضافة إلى ذلك يتوجب على أمجد خلال هذه المرحلة القيام بعدد من الدورات أو الكورسات الطبية. تعتبر الكورسات الطبية التدريبية جزءاً أساسياً من حياة الطبيب في ألمانيا.

يدعى إجراء الكورسات أو حضور المؤتمرات باللغة الألمانية Fortbildung.وتعني هذه الكلمة "التدريب المستمر"، وتشابه مصطلح CME أو continued medical education في الدول الناطقة بالإنجليزية. بالمناسبة، المصطلح CME مستخدم في ألمانياً أيضاً.

الدورات التدريبية للأطباء في ألمانيا
تتميز ألمانيا بغناها بالكورسات التدريبية وورشات العمل التي يتعلم فيها الطبيب الإجراءات الطبية في سيناريو قريب جداً من الواقع. ويتم التدريب على دمى أو نماذج صناعية أو على الحيوانات، وعند الإمكان أيضاً على الأشخاص الطبيعيين أو المرضى كما في كورسات التصوير بالإيكو.
Image credit: freepik license

لماذا تعتبر هذه الكورسات مهمة جداً في ألمانيا؟ في معظم الأقسام المزدحمة بالعمل في ألمانيا لا يمكن تخصيص الكثير من الوقت للنشاطات العلمية أو تعليم الأطباء المقيمين بشكل مباشر، وذلك بسبب ضيق الوقت وضغط العمل الشديد.

ولذلك فإن الدورات التدريبية تحتل حيزاً مهماً في التعلم والتطوير الشخصي ومتابعة المستجدات، سواءً بالنسبة للأطباء المقيمين أو الاستشاريين وحتى رؤساء الأقسام، كل على حسب مستواه.

ويتوجب على الأطباء الاختصاصيين حتماً حضور كورسات طبية للحصول على عدد معين من النقاط. ويعتبر الطبيب الاختصاصي ملزماً بجمع عدد معين من النقاط وتقديمها إلى نقابة الأطباء المسؤولة عنه. أما قبل إنهاء التخصص فهو غير ملزم بذلك، ولكن الكورسات ستكون مهمة للتطوير العلمي والأكاديمي.

يحصل الطبيب في كل سنة على عدد معين من الأيام للقيام بدورات تدريبية بدون أن تخصم من إجازته السنوية

في معظم الأقسام تقام أيضاً نشاطات علمية دورية، مثل المحاضرات التي يلقيها الأطباء المقيمون أو الاستشاريون. كما تستضيف معظم المستشفيات من وقت لآخر ورشات عمل أو ندوات محلية في مجالات تخصصية معينة.

وقد توجب على أمجد أيضاً تحضير محاضرة حول طريقة التعامل مع أكياس البنكرياس وتقديمها لزملائه في القسم. كما طلب منه رئيس القسم التسجيل في بعض الكورسات الأساسية التي يجب أن ينجزها خلال سنوات التخصص الأولى. على سبيل المثال دورات التصوير بالإيكو (Sonographie)،ودورات الحماية من الأشعة (Strahlenschutz).

النشاطات العلمية في المستشفى في ألمانيا
تختلف كثافة النشاطات العلمية بشكل كبير من قسم لآخر، فهي قد تكون أسبوعية في بعض الأقسام وشهرية في أقسام أخرى، وربما أقل أو أكثر من ذلك. كلما كان المستشفى أكبر وأكثر أكاديمية كلما ازداد عدد النشاطات العلمية في القسم.
Image credit: freepik license

تكون أول سنتين إلى ثلاث سنوات من الاختصاص عادة مزدحمة وفوضوية بعض الشيء. عليك إتمام فترات تدريبية في أقسام لا تمت بصلة مباشرة إلى تخصصك. وعليك إجراء كورسات في بعض الأمور الجانبية. وعليك عادة تعلم الكثير، وتحسين لغتك كطبيب أجنبي.

قد يشعر الطبيب خلال هذه السنوات بأنه لا يوجد من يشرف على تعليمه وبأنه لا يتطور. في الواقع هذا الشعور طبيعي بسبب الانغمار في العمل المرهق.

كما أن الصعوبات اللغوية تزيد من هذا الإرهاق حيث يحتاج الطبيب إلى وقت أطول لإتمام الإجراءات الروتينية والورقية وتوثيق المعلومات الطبية، بالإضافة إلى صعوبة التواصل مع المرضى أو الزملاء في سنوات العمل الأولى.

تتحسن اللغة الألمانية للطبيب الأجنبي بدون أن يشعر ولا تصل إلى الطلاقة التامة في الكلام والفهم إلا بعد حوالي ثلاث إلى خمس سنوات من العمل

من خلال التماس المكثف مع المرضى والحالات الطبية المختلفة والاستفادة من الأخطاء الشخصية وأخطاء الآخرين وحضور المناقشات والجلسات العلمية فسوف تتطور تدريجياً بدون أن تشعر. لا تستهن بالخبرة التي ستتراكم تلقائياً من خلال العمل المكثف!

في الواقع هذا الموضوع هو من الأمور الذي يجعل بعض الأطباء ساخطين على نظام العمل والتدريب في ألمانيا، كما شرحنا في المقالة المفصلة حول سلبيات التخصص والعمل الطبي في ألمانيا.

ولكن في الواقع يعتبر ذلك جزءاً من نظام التخصص في أي بلد في العالم، والطبيب سيتعلم بدون أن يشعر من خلال مراكمة الخبرات والاحتكاك بالحالات المختلفة وامتصاص المعلومات من المحيط بدون أن ينتبه لذلك.

مساحة إعلانية

سنوات الاختصاص المتقدمة

في السنوات المتقدمة من الاختصاص تسنح الفرصة للطبيب للتركيز بشكل أكبر على اختصاصه. تكون خبرته العملية ونظرته للحالات المرضية المختلفة قد تبدلت بشكل كبير من خلال ما جمعه من خبرة خلال السنوات الأولى.

بالإضافة إلى ذلك فإن نظرة الأطباء الاستشاريين في القسم إليه سوف تختلف في هذه المرحلة. سيتم توكيل مهام إضافية إليه والاعتماد عليه في تسيير الكثير من الأمور الأكثر تقدماً بشكل متدرج.

عمل الأطباء في العيادات الخارجية
بعد حصوله على الخبرة الأساسية يمكن للطبيب المقيم في السنوات المتقدمة من التخصص أن يتسلم مسؤوليات كاملة مثل العيادات الخارجية تحت إشراف الأطباء الاختصاصيين. يختلف النظام المتبع بشكل كبير حسب نوع القسم وحجم المستشفى.
Image credit: Envato Elements License

بالنسبة للتخصصات التي تحتوي على إجراءات طبية متقدمة (مثل التخصصات الجراحية) فإن السنتين الأخيرتين من التخصص هما عادة الفترة الذهبية لتعلم الكثير من المهارات. ويتم عادة خلال هذه الفترة منح فرصة أفضل للطبيب لتعلم الأمور والقيام بالإجراءات التي يجب على كل طبيب اختصاصي أن يعرفها.

لذلك يتوجب على الطبيب أن يوطد علاقته مع الأطباء الأعلى منه في السلم الوظيفي حتى تزداد فرصته في التعلم. تحدثت عن التسلسل الوظيفي للأطباء في ألمانيا في مقالة أخرى.

هل يتعلم الطبيب في ألمانيا؟

وهل لديك شك في ذلك؟ وإلا فكيف وصل النظام الصحي الألماني إلى هذا المستوى وارتفعت فترة الحياة المتوقعة لدى الشعب الألماني خلال العقود الماضية؟ شاهدتُ خلال عملي في المستشفيات مستويات طبية مذهلة بالنسبة للمعرفة والخبرة والمهارة.

مشكلة التعليم في ألمانيا هي أنه يأتي ببطء وعلى مدى فترة طويلة. لا يطلب من الطبيب الذي يحصل على الاختصاص حديثاً أكثر من إتقان أساسيات هذا الاختصاص. أما المعرفة المتقدمة بجزئيات الاختصاص أو التعامل مع الحالات النادرة والصعبة أو إجراء التداخلات المتقدمة فهي تأتي لاحقاً بعد الحصول على شهادة الاختصاص والعمل كطبيب اختصاصي ثم استشاري.

بالنسبة للتخصصات الجراحية فلا يوجد جراح لن يتعلم في ألمانيا. ولكن التعلم متوقف على الدافع والرغبة والاجتهاد الشخصي. وحسب مشاهداتي الشخصية تتاح الفرصة لمعظم الأطباء لإجراء عمليات جراحية بسيطة حتى في السنة الأولى من التخصص، وفي السنوات المتقدمة يكون الطبيب قد أجرى معظم العمليات الأساسية في تخصصه.

ومقارنة بالتخصص في الدول العربية فإن المهارات الجراحية تتحسن ببطء أكثر في ألمانيا، ولكنها تصل بعد سنوات قليلة من الحصول على الاختصاص إلى مستوى أعلى من خلال نوعية العمليات الجراحية التي يتم إجراؤها ومستوى الإمكانيات المتوفرة والخدمات الطبية المقدمة.

بالنسبة لأمجد على سبيل المثال فقد تعلم إجراء الفحص بالمناظير وأصبح يسمح له بإجرائه لوحده، وذلك فيما يخص منظار المعدة ومنظار القولون. وذلك لأن هذه الإجراءات أساسية ويجب على كل طبيب اختصاصي بالجهاز الهضمي أن يعرفها. كان أمجد يرغب أيضاً بتعلم بعض الإجراءات المتقدمة أكثر، مثل منظار الطرق الصفراوية (ERCP). ولكن لم يسمح له بإجرائه.

في ألمانيا يتأخر الطبيب الاختصاصي في تعلم الإجراءات المتقدمة التي قد تترافق مع مضاعفات طبية، وهي تترك للأطباء الخبيرين حرصاً على سلامة المرضى. ومثل هذه الإجراءات تحتاج إلى خبرة وممارسة متكررة بتواتر معين، الأمر غير الممكن خلال فترة التخصص.

من مساوئ ألمانيا: عدم تطبيق برنامج واضح للتدريب

يشتكي الكثير من الأطباء الذين يتخصصون في ألمانيا من عدم تطبيق برنامج واضح لتدريب الأطباء المقيمين في الكثير من الأقسام. المقصود بذلك هو عدم وجود برنامج ثابت أو مهام معينة يجب على الطبيب أن يقوم بها في كل سنة من سنوات التخصص، وإنما يتم النظر لما يجب أن يتعلمه الطبيب خلال فترة التخصص ككل.

وبذلك فإن الأطباء المقيمين في السنوات المختلفة قد يعملون معاً في نفس القسم ويقومون بنفس المهام تقريباً بدون وجود فروق حقيقية في المهام بينهم، ويكون الأطباء المتقدمون في التخصص أوفر حظاً في القيام بالإجراءات المتقدمة. من جهة أخرى فإن هذه الناحية تؤدي إلى درجة أقل من الهرمية مما هو عليه في الدول العربية، حيث نادراً ما يشاهد التعامل بفوقية بين الأطباء المقيمين أنفسهم.

على الرغم من ذلك فإن هذه ليست قاعدة. هناك أقسام يهتم فيها الشيف بتدريب المقيمين بشكل جيد ويوكل إليهم في كل سنة مهاماً إضافية. ويكون هناك برنامج أوضح للتدريب والتعليم. ومن المتوقع أن تتحسن هذه الناحية في المستقبل القريب نظراً لأن النقابات وهيئات الدفاع عن حقوق الأطباء تمارس ضغطها على الأقسام لتحسين ظروف تدريب الأطباء.

تختلف كذلك نوعية الكورسات التدريبية التي يشارك فيها الطبيب خلال سنوات الاختصاص المتقدمة. وهناك الكثير من الكورسات الموجهة بشكل خاص للأطباء في هذه المرحلة، والتي تؤهل الطبيب ليصبح طبيباً اختصاصياً.

قام أمجد بحضور دورة تدريبية متقدمة مدتها يومان حول تشخيص أمراض الكبد بواسطة الإيكو تتضمن تدريبات عملية على المرضى، كما حضر ندوة مدتها أربعة أيام حول أمراض الكبد. وهكذا أصبحت لديه معرفة أساسية كاملة عن تشخيص أمراض الكبد المختلفة ومعالجتها.

بالطبع لم يصبح أمجد بعد هذه الكورسات خبيراً أو استشارياً بأمراض الكبد، فالموضوع يحتاج إلى سنوات من الخبرة والممارسة وتطبيق ما تعلمه في هذه الكورسات التدريبية. سوف يأتي ذلك مع الوقت بعد إنهاء التخصص والعمل كطبيب استشاري.

مساحة إعلانية

إنهاء الاختصاص

تبلغ مدة التخصصات الطبية السريرية في ألمانيا خمس إلى ست سنوات حسب التخصص. لا يحصل الطبيب على شهادة التخصص تلقائياً مع انتهاء فترة التخصص وإنما يتوجب أن تتحقق ثلاثة شروط:

  1. إنهاء فترة التخصص الكاملة (Weiterbildungszeit).
  2. إتمام جميع الإجراءات المطلوبة التي تشكل محتوى التخصص (Weiterbildungsinhalt).
  3. الحصول على وثيقة من رئيس القسم المشرف عليه تثبت أنه وصل إلى مستوى الطبيب الاختصاصي.

عند تحقيق هذه الشروط يتوجب على الطبيب تحضير الوثائق الثبوتية اللازمة التي تشمل اللوغ بوخ وشهادات الخبرة المطلوبة. وعندها يحق له عندها التقدم بطلب الاعتراف بفترة التخصص والتقدم لامتحان التخصص عن طريق نقابة الأطباء.

نقابة الأطباء في الولاية التي تعمل فيها هي الجهة المسؤولة عن دراسة أوراقك والاعتراف بفترة التخصص التي قضيتها وتنظيم إجراء الامتحان

إذا كان الطبيب قد قضى فترة التدريب في عدة مستشفيات فيتوجب عليه في هذه الحالة تقديم جميع شهادات الخبرة التي حصل عليها، بحيث يثبت استكمال فترة التدريب المطلوبة والعمل في الأقسام اللازمة لتحصيل هذا الاختصاص.

وحين يغير الطبيب عمله بين عدة ولايات في ألمانيا خلال فترة التدريب فيتوجب عليه في النهاية تقديم أوراقه إلى النقابة الموجودة في الولاية التي يعمل بها الآن، وهي النقابة المسجل بها حالياً، وهي ستقوم بدراسة جميع الأوراق بما في ذلك تلك الصادرة عن المستشفيات في الولايات الأخرى.

يمكنك قراءة المزيد من المعلومات حول جغرافيا الولايات الألمانية في المقالة الخاصة بهذا الموضوع. كما تحدثت في مقالة أخرى عن الفروق المختلفة بين الولايات وكيفية اختيار الولاية المناسبة.

بالنسبة لأمجد فقد قضى فترة التخصص كاملة في مستشفى واحد، وبالتالي فلا توجد صعوبة بالنسبة له. وقد قام بتحضير جميع الأوراق اللازمة وتوقيعها من رئيس القسم. كما ملأ الاستمارة الخاصة بالامتحان من موقع نقابة الأطباء.

توقيع أوراق التدريب من رئيس القسم
إتمام أوراق التخصص وتوقيعها من رئيس القسم هو خطوة يجب أن تفكر بها قبل وقت كاف حتى لا تتأخر في تقديم الأوراق.
Image credit: freepik license

بالإضافة إلى ذلك فقد حصل أمجد من رئيس القسم على رسالة لنقابة الأطباء تفيد بأن مستواه العلمي يؤهله لأن يصبح طبيباً اختصاصياً. هذه الوثيقة ضرورية حتى يسمح له بالتقدم للامتحان.

بعد إرسال جميع الأوراق اللازمة بالبريد إلى نقابة الأطباء تمت هناك دراستها بشكل مفصل. وبعد فترة حصل على رسالة من النقابة تفيد بأن فترة التدريب التي حصل عليها تحقق الشروط ويمكنه التقدم للامتحان بعد شهرين ونصف.

لا يخضع الطبيب المقيم في ألمانيا إلى أي امتحانات خلال فترة التخصص وإنما يتوجب إجراء اختبار واحد فقط وذلك عند انتهاء فترة التخصص

امتحان التخصص

امتحان التخصص في ألمانيا (Facharztprüfung)هو عادة مقابلة أو امتحان شفوي يستمر عادة لأقل من ساعة واحدة، ولا يوجد اختبار كتابي. ويتم عادة اختبار الطبيب من خلال السؤال عن أمور عملية لها علاقة بالعمل اليومي للطبيب الاختصاصي.

يجرى الامتحان عادة في نقابة الأطباء من خلال مقابلة مع اثنين أو ثلاثة من الأطباء. وبطبيعة الحال يتوجب أن يكون الأطباء الثلاثة اختصاصيين في نفس المجال. قد تختلف طريقة إجراء الامتحان بشكل طفيف من تخصص لآخر ومن ولاية لأخرى.

بعد الامتحان يتم إعلام الطبيب بالنتيجة مباشرة. وعند النجاح يحصل على شهادة التخصص (Urkunde). ويطلق البعض من خارج ألمانيا على هذه الشهادة اسم البورد الألماني، على الرغم من أن مثل هذه التسمية غير مستخدمة، فالشهادة هي شهادة التخصص الألمانية فقط!

وعادة ما يتسلم الطبيب الشهادة مباشرة من اللجنة الفاحصة، ويصبح في هذه الحالة طبيباً متخصصاً: فاخ أرتز (Facharzt).

ألف مبروك!

نموذج عن شهادة الاختصاص الألمانية
نموذج عن شهادة التخصص الألمانية. يختلف تصميم الشهادة بشكل طفيف من ولاية لأخرى، ويظهر عليها شعار الولاية في الأعلى.
Image credit: Brildox (CC BY 4.0)

تأخر إتمام التخصص

في الكثير من الأحيان يحتاج الطبيب إلى العمل كطبيب مقيم أو طبيب مساعد لفترة أطول من فترة التخصص نفسها. على سبيل المثال إذا لم يتمكن الطبيب من إتمام الإجراءات المطلوبة منه خلال فترة التخصص، أو إذا لم يكن مستواه مناسباً حسب رأي رئيس القسم، وأحياناً بسبب طول فترة معالجة الأوراق من قبل نقابة الأطباء بسبب وجود نقص معين.

في مثل هذه الحالات سوف يحتاج الطبيب إلى وقت أطول حتى الحصول على شهادة الاختصاص. ويتوجب على الطبيب هنا الاستمرار بالعمل كطبيب مقيم إلى أن يستكمل النواقص أو تنتهي معالجة الطلب. إحدى الدراسات أظهرت أن 45% فقط من الأطباء في ألمانيا يتمكنون من إنهاء التخصصات الجراحية خلال الفترة المقررة التي تبلغ ست سنوات، أما الباقي فيحتاجون لفترة أطول.

إذا كنت مهتماً أكثر بهذا الموضوع فأنصحك بقراءة المقالة المفصلة حول مدة التخصص الطبي في ألمانيا، حيث شرحت فيها بالتفصيل الفترات المتوقعة منذ الوصول إلى ألمانيا حتى حصولك على شهادة التخصص.

الخلاصة

في هذه المقالة حدثتكم بالخطوط العريضة عن مراحل التخصص الطبي في ألمانيا. بعد الحصول على وظيفة في إحدى المستشفيات وتوقيع عقد العمل يمكن للطبيب البدء بالتخصص.

خلال السنوات الأولى يتوجب على الطبيب تعلم الكثير من المهارات والعمل في أقسام قد لا تكون ذات علاقة مباشرة بتخصصه. في السنوات الأخيرة يركز الطبيب أكثر على تخصصه ويتعلم جميع الأمور الأساسية التي يجب على الطبيب الاختصاصي أن يعرفها.

تنتهي فترة التخصص بإتمام فترة التدريب والإجراءات اللازمة وملء اللوغ بوخ بشكل كامل. ومع الحصول على شهادة من رئيس القسم يمكن تقديم الأوراق إلى نقابة الأطباء. بعد النجاح في امتحان التخصص يحصل الطبيب على شهادة الفاخ أرتز ويصبح طبيباً اختصاصياً.

مساحة إعلانية

المزيد من المعلومات

إذا كانت لديكم المزيد من التساؤلات حول هذا الموضوع فيمكنكم طرحها على صفحات التواصل الاجتماعي. إذا كان لديكم أي تصحيح أو تحديث للمعلومات المذكورة في هذه المقالة فنرجو التواصل معنا مباشرة.

مصادر أخرى للتوسع

  • مقالة بالألمانية حول امتحان التخصص في ألمانيا - Facharztprüfung
  • استطلاع رابطة ماربورغ حول ظروف عمل الأطباء في ألمانيا (MB-Monitor 2019)
  • قانون العمل الألماني (Kündigungsfristen bei Arbeitsverhältnissen)
  • دراسة إحصائية حول مستوى تدريب الأطباء في التخصصات الجراحية في ألمانيا – Qualität der chirurgischen Weiterbildung in Deutschland
إن المعلومات المقدمة على هذه الصفحة هي معلومات إرشادية بهدف التثقيف والتوجيه. تبذل إدارة الموقع جهدها لنشر معلومات موثوقة وحديثة مدعمة بالمصادر اللازمة. ولكنها في الوقت نفسه غير مسؤولة عن أي أخطاء أو نقص في المعلومات، أو أي تغييرات أو تعديلات يمكن أن تطرأ عليها، أو أي نتائج يمكن تترتب على استخدام هذه المعلومات بأي شكل من الأشكال. للمزيد من المعلومات انظر صفحة إخلاء المسؤولية.
DMCA Protected إن المادة العلمية والصور والميديا الموجودة في هذه المقالة محمية بشكل كامل بموجب قوانين الملكية الفكرية. يمنع نسخ أو نقل المعلومات إلى أي موقع آخر إلا من خلال الاقتباس العلمي المتعارف عليه. ومن خلال اتفاقيتنا مع شركة DMCA العالمية فسوف يتم إشعارنا بأي إعادة استخدام غير مشروعة للمواد الموجودة على هذا الموقع، الأمر الذي يمكن أن يعرضكم للمساءلة القانونية. للمزيد من المعلومات انظر صفحة حقوق النشر.

مواضيع ذات علاقة